عبد الحميد أحمد

أحذية فيها مسامير

بوعليوي يقول في أحد أعماله الكوميدية إن الشرع إذا تحدث فالكل يأكل «تبن» وفي السياسة فإن الشعب سواء أخذ السياسيون والقادة برغبته وإرادته وآرائه أو لم يأخذوا فإنه هو الحكم والقاضي.

وقد حكم الكويتيون مؤخراً بقطع العلاقات مع الدول التي ساندت العدوان العراقي، وبعدم تأييد عودة العلاقات مع العراق، وبعدم اعتبار قضية فلسطين هي القضية المركزية الأولى للأمة العربية، والأهم بعدم استمرار الإيمان بفكرة الوحدة العربية.

هذا الكلام لم يأت في استطلاع صحافي عابر يكون المجال فيه للمبالغة وارداً، بل من نتائج وتحليل استطلاع علمي قامت به مؤخراً في الكويت الجمعية الدولية للمستقبل «فرع الخليج» وهي جمعية علمية للدراسات المستقبلية مقرها واشنطن، حيث توجهت إلى عينة من ٤٠٦ كويتيين (٦٠٪ ذكور و٤٠٪ إناث) من شرائح مختلفة ومتعددة، بهدف التعرف على توجهات الرأي العام حول القضايا العربية والدولية بعد تحرير الكويت ومعرفة تأثير أزمة الخليج في صفوف الشعب الكويتي، ومعرفة مقدار التراجعات التي حدثت في الفكر القومي العربي بعد انتهاء الأزمة.

الجمعية المذكورة قدمت تحليلاً علمياً لنتائج الاستطلاع نشر بالكامل في صحيفة «الحياة» فأظهرت الأرقام أن ٧٣٪ لا تؤيد عودة العلاقات مع العراق إطلاقاً وأن ٦١٪ أيدت قطع العلاقات بالمطلق مع الدول التي وقفت مع العراق وعلى رأسها حسب الأولوية وبالترتيب منظمة التحرير الفلسطينية «٧٤٪» والأردن «٦٤٪» واليمن «٥٥٪» والسودان «٤٦.٥٪».

وعن فكرة الوحدة العربية قال ٦٦٪ إنهم لم يعودوا يؤمنون بها، وقال ٤٢٪ إنهم لا يعتبرون القضية الفلسطينية هي القضية المركزية، وقال ٣٩.٥٪ إنهم يقبلون بمبدأ الاعتراف بإسرائيل من أجل السلام، وأيد ٣٥٪ اتفاقات عسكرية مع دول غربية عظمى كضمانة لأمن الكويت الخارجي، فيم أيد ٣٣.٥٪ الوجود العسكري الغربي كضمانة أمنية.

وفي التحليل النهائي للنتائج والأرقام، يظهر التقرير مدى التراجع الذي حدث في فكر الشارع السياسي بالكويت وفي الوجدان والمشاعر الوطنية والقومية لدى المواطن الكويتي عما كان عليه الوضع قبل الغزو العراقي، حيث كانت غالبية هذا الشعب من المتحمسين للقضية الفلسطينية والمدافعين عنها، ومن المؤيدين للوحدة العربية والتضامن العربي والرافضين باستمرار لفكرة الوجود الأجنبي في الدول العربية.

ونعتقد لو أن استطلاعاً مماثلاً جرى في دول الخليج العربية الأخرى، لما اختلفت نتائجه عن استطلاع الكويت، ومن هنا نستطيع أن نعرف خطورة وكارثة «أم المعارك» ومدى الحرائق السياسية التي أشعلتها في وجدان العرب وفي تفكيرهم والتي سوف تحتاج لسنوات طويلة لكي يتم إطفاؤها، وترميم ما أعطبته، وهو أخطر وأفدح من كل الخسارات الأخرى المادية والاقتصادية.

ولأن الكلمات تطير في الهواء والجراح تبقى على الأرض، فإن تأثيرات الغزو تبدو مذهلة في الوجدان الشعبي خاصة في دول الخليج وستظل هذه الجراح دهراً قبل أن تندمل وتلك هي الحقيقة القاسية التي تتنزه بيننا بأحذية فيها مسامير!

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.