هذه حكاية من بريطانيا، فقد حدث مرة في أحد المصارف أن انفجر الموظفون ضحكاً على زميل لهم، حين دخل عليهم في الصباح وقد اسودت عيناه وتورمتا، فسألوه: ماذا أصابك؟ فقال: العين اليمنى ضربتني عليها زوجتي لما عرفت أن لي عشيقة، فسألوه عن اليسرى، فقال: إنها عشيقتي، فقد ضربتني عليها لما اكتشفت أن لي زوجة.
وهذا الأسبوع، تلقى صديق علقة ساخنة معتبرة من العلقات إياها، متبوعة بشوية شتائم حريميه من التي تعرفونها، حين دخل على زوجته، ولاحظت أنه مهموم ومنهد الحيل على غير عادته، وبالاستفسار والإلحاح، ولكي ينجو من التهمة الجاهزة التي تسوقها كل زوجة لزوجها حين تراه متغيراً حبتين، فتتهمه فوراً بالحب والعشق والخيانة وقلة الأصل والأدب وعدم الوفاء بادر المسكين إلى الاعتراف بالحقيقة التي أخفاها عن زوجته، وهي أنه يملك مالاً لا بأس به لدى بنك الاعتماد والتجارة الدولي، هي تحويشة العمر والرخص التجارية المؤجرة، وكم من فيزا لكم من هندي، وبدلاً من أن يجد لديها المواساة على مصابه الجلل، تلقى المكافأة الزوجية إياها من نوع التي تلقاها صاحبنا الإنجليزي في مستهل هذه الزاوية بل وأسوأ.
حكاية الصديق السابقة، وهي حقيقة، سيعتبرها كثير من القراء مزحة أو من اختلاقي، ولن يصدقها إلا زبائن البنك، من الذين صاروا بين نارين، إما نار الصيف والفلس، أو نار الزوجات والفواتير، أو نار الحيرة والانتظار.
أما الانتظار فإنه طال، وكلما طال كثرت القصص الطريفة التي خلّفها إغلاق البنك لزبائنه، سواء كانوا من الزبائن الصغار أصحاب المعاشات والرواتب، أو الزبائن الكبار من أصحاب الشركات والمصالح، وكل قصته على قد ماله، من الزوج الذي خربت برامج صيفه وسياحته هذا العام أيضاً مثلما خربت العام الماضي على يد صدام حسين، إلى صاحب الشركة الذي لا يصدق عماله الباتان أن البنك مغلق وينتظرون كل صباح ومساء أمام بيته لقبض رواتبهم، إلى صغار الموظفين الذين يبحثون في حيرة الآن عن بنك بديل لفتح حسابات جديدة ومشترطين في الوقت نفسه سلفيات عاجلة للطوارئ قبل قطع الماء والكهرباء والهواتف عن بيوتهم، من الذين ينطبق عليهم مثل «شحات ومشارط» باللبناني أو «محمول ويترفس» بالخليجي.
ولأن المسألة طالت كما قلنا، بل طالت شمّخت، وتزيدها حيرة وغموضاً التلفيقات التي تطلع لنا بها وكالات الأنباء الغربية حول البنك، حتى أنه لم تبق تهمة إلا وألصقت به، دون أن تكون هناك أدلة كافية، فإنني شخصياً صرت أميل إلى الرأي القائل إن البنك يتعرض لحرب سياسية في المقام الأول، ووراء هذه الحرب أصابع يهودية، من التي لا يفرحها أن تقوم لمؤسسة من العالم الثالث قائمة في العالم، فكيف إذا كانت هذه المؤسسة عربية وإسلامية، فمن قبل وكما تتذكرون تلقى مكتب الاستثمار الكويتي صفعة مشابهة حين امتلك حصة كبيرة في الــ «بريتش بتروليوم» وإن اختلفت التفصيلات والحيثيات.
ومن غير هذا لم نجد حتى الآن أي تفسير منطقي لما يتعرض له بنك الاعتماد، إلا في حكاية زوجة كوهين التي ذهبت إلى محاميها تطلب الطلاق من زوجها بعد ٢٧ سنة، فسألها عن السبب فقالت: عادات زوجي على طاولة الطعام مريعة لا تطاق، فعاد يسألها: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تطلبي الطلاق قبل الآن؟ فردت: للحقيقة لم أكن أعرف ذلك من قبل ولكنني أمس اشتريت كتاباً في آداب المائدة!
ومعرفتنا لعادات اليهود على مائدة المال قد تفسر لنا حكاية بنك الاعتماد الغامضة، وقد تجنبنا أيضاً الصفع على الخدين.
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.