عبد الحميد أحمد

السح الدح امبو

قلنا أمس إننا نحن الصحافيين لا نشاهد التلفزيون كثيراً وهذا من سوء حظنا طبعاً أو لعله من حسن الحظ، ونضطر إلى استقاء معلوماتنا الفنية من الصحف والمجلات.

وحين نقرأ الصحف يتركز اهتمامنا على أخبار الفن والفنانين وتتسمر أعيننا على صور الفنانات، خاصة إذا كانت «اكشن» أما الأخبار السياسية والتحليلات والمطولات فلا وقت لدينا لقراءتها، ثم إننا شبعنا منها وننصرف عنها إلى اللطائف والخفائف كنوع من التسلية. ولسنا وحدنا من يقوم بهذا فغالبية القراء يشاركوننا هذا الاهتمام إلى درجة أصبحت فيها ثقافة الفن والأغاني هي السائدة، خاصة عند الجيل الجديد الذي نقول عنه الجيل الصاعد أمل المستقبل، الذي إذا سأل معلم العلوم واحداً منهم عن أشهر الكواكب في المجموعة الشمسية كان الجواب: سهير رمزي وميرفت أمين وعلي حميدة.

ومرة سأل مدرس اللغة الإنجليزية تلميذاً عن معنى كلمة «سمين» بالإنجليزية فأجابه التلميذ: «فات» فقال له المدرس: ضعها في جملة مفيدة فرد الطالب من الذين نعنيهم: فات الميعاد!

وهذا الطالب يستحق التقدير بلا شك فعلي الأقل ما زال يعرف اسم أغنية لأم كلثوم التي سموها كوكب الشرق ولعل من هنا جاء التباس زميله تلميذ العلوم الذي اعتبر سهير رمزي ورفيقاتها أعضاء في المجموعة الشمسية.

على كل حال، نحن نقرأ أخبار الفن بطريقة تختلف عن التلاميذ والمراهقين والمراهقات، إذ إننا لا نستطيع أن نفلت من حاستنا الصحافية التي تشبه حاسة الكلاب البوليسية في الشم، أو أنف أبوكلبشة إذا كنتم تذكرونه، فوراء كل خبر فني دلالات وأبعاد ومضامين قريبة من السياسة والاقتصاد ومن مشكلاتنا القومية.

وكمثال على تسييس الأخبار الفنية، ما كتبه مرة صحافي غربي عن الممثلة العالمية المجرية الأصل زازا جابور بمناسبة طلاقها حيث خاطبها: لقد تزوجت يا سيدتي خلال عشر سنوات بنسبة ما عرفت فرنسا من جمهوريات في أقل من قرن من الزمن.

وفي مرة سابقة كتبت لكم في هذه الزاوية عن التكامل العربي من باب الفن، حيث الصيف الساخن الذي يشعله فنانونا في كل الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وآخر ما عرفت من أخبار هذا التكامل أن حنان تغني في الأردن وأحمد عدوية يغني في تونس.

ولمناسبة ذكر هذا الأخير أعتقد شخصياً أنه مطرب موهوب لم يخلق مثله لكننا نحن أسأنا فهمه كثيراً لأننا أغبياء حقاً، إذ إنه قدم لنا وصفة سحرية للقضاء على إسرائيل، في كل أغنياته، لكن عجزنا عن فك الرموز، هو الذي فوت علينا هذه الفرصة التي انتظرناها لنصف قرن.

فأحمد عدوية كان ينادي باستراتيجية هجوم عربي شامل ساحق ماحق على إسرائيل معتمدين خطة «حبة فوق، حبة تحت» وحين ندمر إسرائيل وتكون لنا الغلبة، ندعوها للسلام من موقع القوي المنتصر فنشن عليها الهجوم الأخير، هجوم السلام والحرية تحت شعار «السح الدح امبو».

لكننا للأسف استعجلنا، فذهبنا فوراً إلى المرحلة الثالثة، وتخطينا المرحلتين الأوليين، ولو كنا انتهزنا الفرص التي قدمها لنا عدوية، لما وصلنا إلى هذه الحال، التي صار فيها عقلاء العالم والعرب يجرون وراء شامير لكي يقبل السلام فيما هو مطنش ولا على باله والسبب طبعاً إضافة لما سبق، يكمن في أن شامير لم يسمع بعدوية ولم يعرف بتكتيكاته وهمبكاته، وبالتالي لم يشعر بالخوف مرة واحدة طوال حياته.

وعليه، سنتوقف بعد الآن عن شعار «حتروحي فيه يا صهيونية»، وسنقول لأم حسن، التي هي نحن: سلامتها، سلامتها أم .. حسن!

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.