ذهب فريق من معوقي الإمارات إلى مينسوتا بالولايات المتحدة، وكالعادة، فإن هذه الفئة المهملة من المواطنين، لم يحظ خبر ذهابها وإقامتها من الإعلام إلا بالنذر اليسير من الاهتمام.
وعاد الفريق، فإذا به يعود فريقاً من الأصحاء والمعافين إن لم نقل، أفضل من الأصحاء والمعافين فقد حقق الفريق المعاق انتصارات في البطولة الأولمبية الصيفية العالمية الخاصة بالمعوقين، وكسب ١٣ ميدالية إضافة إلى مراكز متقدمة في مختلف السباقات.
هذا ما يقوله الخبر الذي نشرته الصحافة المحلية على صفحاتها الأولى.
وأول من يستحق التهنئة هم المعاقون أنفسهم، الذين لم يخضعوا ليأس إعاقتهم، ولم يعترفوا بمستحيل، وثانياً، مراكز تأهيل وتدريب وتعليم المعاقين، التي تعمل بصمت، وتتغلب على مشكلاتها، وها هم، المعاقون ومراكزهم يقولون: نحن هنا.
ويبقى دور المجتمع الذي عليه أن يعترف بطاقات هؤلاء وقدراتهم وكفاءاتهم، فيلغي سياسة النبذ غير المعلنة ضدهم، ويعتبرهم مواطنين كغيرهم لهم حق العمل، والزواج ولهم حق الرعاية الأولى لتسهيل معيشتهم وحركتهم ودمجهم بمحيطهم الاجتماعي والإنساني، أسوة بما هو معمول به في دول العالم المتحضر.
ويؤثر عن نابليون ما يلي: سئل مرة كيف استطعت أن تولد الثقة في جيشك؟ فأجاب: كنت أرد بثلاث على ثلاثة: من قال لا أقدر. قلت له: حاول، ومن قال لا أعرف. قلت له: تعلم، ومن قال مستحيل، قلت له: جرب.
ونترك المعاقين على أمل أن يحظوا بحقوقهم، إلى الأصحاء المعاقين، وما أكثرهم.
فالمرأة التي تترك أولادها للمربية معوق، والرجل الذي يهمل شؤون بيته معوق، والموظف الذي يتسلل من عمله معوق، والطالب الذي يتسرب من فصله معوق، والشاب الذي يقضي وقته ضائعاً معوق والمدير المسؤول الذي يؤخر أعمال الناس معوق، والمدرس الذي لا يشرح لتلاميذه الدروس كما يفعل في الدروس الخصوصية معوق، والتاجر الذي يكسب من الغش معوق، والسائق المستهتر بأرواح الآخرين معوق، والشاعر والأديب الذي يكتب للقراء كلاماً غير مفهوم معوق، ولاعب الكرة الذي لا يتحلى بأخلاق الرياضة معوق، وعلى هذا النحو ابحثوا حواليكم عن أعداد المعوقين في المجتمع، فهم كثر كشعر الرأس.
وأكبر المعوقين هو من لا يستمع للكلام، فلا يصلح من عاداته الخاطئة وممارساته السيئة، ومن لا يرى الخطأ، وإذا رآه غض النظر عنه.
إذن، الإعاقة ليست بدنية فحسب، فهناك إعاقات لا حد لها، سلوكية وخلقية وعاطفية وفكرية وتربوية، تلك هي عاهات الشخصية، التي تبدأ صغيرة ثم تنمو، لتصبح مستديمة.
وإذا كان المعوقون بدنياً يدفعون ثمن إعاقاتهم لأنفسهم، إما بالسقوط في اليأس أو بالنجاة منه بالتحدي والإيمان، فإن معوقينا هؤلاء يدفع ثمن عاهاتهم المجتمع والناس الأسوياء.
قديماً قال حكيم: الطواغيت ثلاثة: القانون والحاجة والعادة.
ومن لا يستطيع أن يتخلص من عاداته السيئة إنما هو العاجز، أما طاغور فقال: سأل الممكن المستحيل أين تقيم؟ فأجابه: في أحلام العاجز.
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.