عبد الحميد أحمد

الماء يكذب الغطاس

كنت على وشك أن أشبه اسحاق شامير بميكي ماوس فأسميه ميكي اسحاق ماوس شامير لكثرة لعبه ودلعه ودلاله علينا وعلى غيرنا.

لكن بعد أن قرأت موجزاً عن مسرحية «دلع الهوانم في حارة العوالم» التي تعرض حالياً بالقاهرة رأيت أن اسم مرمر اللومانجية أو سمية العالمة أو فريدة هانم أسماء مناسبة تماماً لشامير.

ففي المسرحية وبدون مطولات يحدث نتيجة لعملية طبية خاطئة أن يضع الأطباء مخ عالمة في رأس هانم، فيستمتع المشاهدون بمفارقات ومتناقضات وتصرفات غريبة، حيث الجسد والرأس والوجه لهانم، بينما الذي يتحكم في أفعالها وأقوالها مخ عالمة من عوالم شارع محمد علي إياهن بتوع سلم لي عالبتنجان واللائي لا يأخذ منهن الإنسان المحترم لا حق ولا باطل.

والمسرحية ليست سياسية وإنما هي مسرحية ضحك وهلس وهمبكة ولا نعرف إن كان شامير قد شاهدها أو سمع بها فتقمص شخصياتها فصار يؤدي أدواراً شبيهة على مسرح السياسة حالياً – وأهم هذه الأدوار هو دور الهانم أم مخ عالمة طبعاً – خاصة فيما يتعلق بجهود السلام، وإن كان من المعتقد أن شامير بما هو معروف عنه من مراوغة ومداورة ولف وحركات هو الأسبق في اختراع مثل هذه الشخصيات المسرحية الحلمنتيشية.

وافق على المؤتمر أخيراً، ولكن له شروط وهذه الموافقة التي كان يجب أن تتم من زمان لكنه ماطل كثيراً وزاوغ أكثر فضيع ما ضيع من وقت وحين وافق على الرغم من أن شروطه السابقة، حققها بإبعاد الأمم المتحدة وتحجيم دورها إلى الصفر، وجعل المؤتمر مجرد افتتاح للسلام عليكم وعليكم السلام، أخرج من كمه على طريقة الحواة هذه المرة شروطاً أخرى مثل مكان انعقاد المؤتمر والتمثيل الفلسطيني الذي يريده شامير على مزاجه، تمثيل صامت وتحت مظلة وحتى الأسماء يجب أن تحظى بقبوله وإلا فلا.

وأكتوبر موعد المؤتمر على الأبواب وفي هذا الشهر أيضاً كما تعلمون، سيتم كذلك زواج الجميلة الشمطاء ليز تايلور من عامل البناء ومدمن الكحول وخلافه الذي التقطته من إحدى المصحات، والعجوز المتصابية استطاعت تدبير ولي أمر لها يزفها على زوجها الشاب لاري فوتنسكي، هو الدلوعة الهانم مايكل جاكسون، لكن مؤتمرنا للسلام، إذا ما تحقق فعلاً، فليس له ولي الأمر والبركة في شامير بعد تحجيم دور الأمم المتحدة وإعطائها صفة المراقب ووضع السلوتيب على فمها.

الطريق إلى أكتوبر، سالك من قبلنا ونحن ذاهبون إليه بكل حماس لكنه لإسرائيل غير سالك، إلا بعد تحقيق بقية مطالبها، التي هي مطبات صناعية إسرائيلية مثل استبعاد قضية القدس من المؤتمر، وشرط التمثيل الفلسطيني وتفسير القرارين ٢٤٢ و٣٣٨ وأخيراً مكان المؤتمر: واشنطن لا، القاهرة لا، باريس لا، لندن لا، وكذلك شكل طاولة المؤتمر: مستطيلة، مربعة، دائرية، بيضاوية، وأين يجلس كل وفد، ومن يدخل ويصل القاعة أولاً، ومن يتحدث ومن لا يتحدث وإلى من تقدم المشروبات أولاً وغير ذلك من حركات لا تتوقف عند شامير.

كل هذه اللاءات بما فيها الشكلية التي غض الغرب النظر عنها يلعب بها شامير وجعبته لم تفرغ بعد من ألاعيب الهوانم والعوالم والحواة معاً وربما مأساة هذا المؤتمر المقترح أنه مثل ليز تايلور، أكل عليه الدهر وشرب، ويحاول العالم، الآن بقيادة أمريكا، إعادة الشباب والصبا إليه، بفارق أن ليز دبرت ولي أمر لها، فيما المؤتمر لا ولي له ولا أب.

والمؤتمر بعد ذلك على كف شامير، وحتى إذا تحقق فالسؤال الذي يظل ملحاً: هل يتحقق السلام حقاً؟

وأكتوبر آت أما الماء فوحده يكذب الغطاس أو يغطس الكذاب لا فرق.

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.