روى زميل عن واحد من اللي في بالكم كان يسير في جنازة ميت، لا أراكم الله مكروهاً بعزيز، فقابله صديق له فسأله عن المتوفى، فأجابه: حماتي، وبعد أن ترحم عليها سأل: وكيف ماتت؟ فأجابه صاحبنا: عضيتها! فسارع صديقه بالقول: والنبي تيجي تعض حماتي.
وأسارع أنا بنفي أي تهمة من التهم التي تلصق عادة بالحموات وتدور حولهن النكات فهن قبل كل شيء أمهات حريمنا، ويا ويل الواحد منا لو لم يحبهن ويطيعهن كما أسارع إلى تطمين الحموات، كما تفعل أمريكا في كل حين في تطميناتها لذات الغنج والدلال المحروسة الدلوعة إسرائيل، وأقول إن كلامنا ليس عن الحموات بل عن العض والعضاضين بأنواعه المختلفة، خاصة النوع القاتل منه ونستبعد العض الحلو، لما فيه من قلة حياء وكلام لا نجسر على نشره.
ففي أسبوع واحد تناقلت وكالات الأنباء مجموعة من الأخبار محورها العض وكان يمكن لهذه الأخبار أن تكون بلا قيمة إعلامية لو كان الفاعل كلباً لكن بما أن الفاعل إنسان في كل حادثة، فإن هذه الأخبار جديرة بالتداول أولاً ثم إنها تكشف لنا تطور السلوك الإنساني على أعتاب القرن المقبل ثانياً، قرن النظام العالمي الجديد الذي من ملامحه نزع كافة أسلحة الدمار، واستبدالها بأساليب أخرى للدفاع، لعل منها العض.
من هذه الأخبار أن سيدة سوفييتية لقيت مصرعها بعد تعرضها لعضات وحشية من حارس منزلها الذي شن عليها هجمات وطواطية على غرار هجمات مصاصي الدماء، ولم يذكر الخبر سبباً لهذا الهجوم المسلح بالأسنان.
في ألمانيا كشرت بائعة هوى «الهوى ينباع كما تعرفون هذه الأيام مثل الطماطم والكوسة والخيار» عن أسنانها المصفحة وعضت زبوناً لها أغضبها، ولما علم المجني عليه بأنها مصابة بالإيدز، داهمته هستيريا مرعبة فقتلها، أما في بلجيكا فالأمر أنكى وأدهى حين اعتدى رجل متأيدز كان مخموراً على الحكومة بعضه شرطياً كان على رأس عمله.
ومن الاتحاد السوفييتي وألمانيا وبلجيكا ننتقل إلى تونس، حيث لم نسمع حتى الآن عن وقوع أي حادث عض بين أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، مع أننا لا نستبعد وقوعها، أو أنها حصلت ولم يعلن عنها وذلك على ضوء معلومتين: الأولى ما وقع بين الأعضاء من مشادات وشتائم وخلافات. كالعادة دائماً، وهي قابلة، كالعادة أيضاً أن تتطور إلى هجوم ودفاع واشتباكات بالمسدسات كاتمة الصوت وبالأيدي والأسنان خاصة بعد مطالبة عرفات بمنع دخول السلاح إلى قاعة الاجتماع واستثنى نفسه من هذا المنع الاحترازي.
والثانية أن تراثنا النضالي، البعيد والقريب، يقوم كله على العض القاتل، وما علينا إلا أن نتذكر ما وقع بين الفصائل الفلسطينية نفسها من مذابح عقب الخروج من بيروت، وما حصل من العراق قبل عام حين عض الكويت فعضته دول التحالف عضة لن ينساها لا هو ولا من حالفه.
وبما أن إخواننا الفلسطينيين يرفضون التدخل في شؤونهم الداخلية، خاصة النضالية، فإننا سنمتنع عن نصحهم بتوفير أسنانهم وبصقلها من الآن استعداداً للمؤتمر المقبل، وتحديداً لعدوهم الرئيسي شامير وزمرته، الذي سيكون جالساً على مائدة المفاوضات وأسنانه تلمع، فيما بقية الجالسين سقطت أسنانهم في تونس وإذا بقي منها شيء، فثمة سنة صغيرة مكسرة لا تصلح حتى لقضم الأظافر!
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.