عبد الحميد أحمد

بورصة الأدب

كل أديب في العالم العربي، باستثناء قلة تعد على الأصابع يمشي من دون محفظة في جيبه إذ لا حاجة له بها.

ومرة تعرض أحد الشعراء في القاهرة إلى مداهمة ثلاثة لصوص له أثناء عودته متأخراً في الليل إلى بيته، أشهروا عليه مسدساتهم وبصوت واحد: هات المحفظة! فرد عليهم على الفور: محفظة مين بس فهموني!

ولا يقارن حال الكتاب في عالمنا بحال زملائهم في المهنة في الغرب، حيث يجدون مقابل عملهم ما يجعلهم أثرياء، فيما كتابنا يقضون أعمارهم نصف شحاتين.

الفارق لا يكمن في احترام وتقدير الغرب لمهنة الكتابة فحسب بل في ضمان حقوق الكتاب المادية تحديداً، حيث تصبح المؤلفات وكذلك الأعمال الفنية الأخرى كالرسم والنحت والغناء والموسيقى وما إلى ذلك لها قيمتها وأسعارها، حالها حال أسعار السيارات والقهوة والملابس وغيرها من المنتجات المصنعة أو المزروعة.

وفي هذه البورصة حيث كل شيء يخضع للعرض والطلب، فإن الأسعار ترتفع مع ازدياد الانتشار وإقبال الناس على المنتج الثقافي ومعها يزداد دخل الكاتب أو الموسيقي أو الفنان، الذي يتقاضى نسبة من ريع إنتاجه لا سبيل للانتقاص منها.

وكلما ازداد الكاتب أو الفنان شهرة وانتشاراً كلما ارتفعت أسهم بضاعته، وهكذا حتى أنه بالنسبة لبعض الفنانين في أمريكا يتجاوز دخل الواحد منهم دخل الرئيس نفسه بما لا يخطر على بال.

نقول هذا الكلام، بمناسبة انعقاد ندوة قانون المصنفات اليوم بالشارقة، والتي تطمح فيما يبدو إلى وجود قانون في الدولة لحماية وضمان حقوق المشتغلين في حقل الإنتاج الأدبي والفني والفكري، ولتنظيم العلاقة ما بين هؤلاء الكتاب والجهات الأخرى المستهلكة لإنتاجهم سواء كانت دور نشر أو صحفاً أو محطات تلفزة، أو معارض وما إلى ذلك وقبل هذا الطموح الكبير، فإن القانون من شأنه أن يحد من حوادث الاعتداءات والسطو المباشر وغير المباشر على إنتاج هؤلاء ومن ثم هدر حقهم الأدبي.

ولو حدث وصدر القانون، فإن أخشى ما أخشاه هو أن يأخذ الأدباء والكتاب والفنانون عندنا مقلباً في أنفسهم فترى الواحد منهم بعد ذلك لا يبعث بقصيدة إلى صحيفة حتى يساوم على سعرها وله الحق طبعاً بناءً على القانون ويرفض آخر أن يقوم التلفزيون بتحويل قصته إلى سهرة درامية، ما لم يدفع له المبلغ الذي يحدده وترى فناناً لا يشترك في معرض تشكيلي إلا بعد قبض المعلوم وهكذا أملاً من الجميع في حمل محفظة!

ولو حصل هذا فإن الأدباء والفنانين الذين تزداد طموحاتهم وأطماعهم كذلك، يوماً بعد آخر، سيصحون من هذا الحلم الذي لن يحدث ولو في المنام، حين لن يجدوا أحداً يرغب في شراء بضاعتهم، فيما الجهات المعنية تستورد كل شيء جاهزاً من الخارج ابتداء من القصيدة واللوحة والقصة وانتهاء بالمسلسل والفيلم واسألوا الصناعات الوطنية في ذلك.

عليه سنقترح على هؤلاء فتح «جبرة» خاصة بهم مثل جبرة سوق السمك والخضار يعرضون فيها لوحاتهم ومخطوطاتهم ويهتفون على المارة: ليلام يا بلاش، لعل وعسى.

ومع ذلك فنحن في العالم العربي مثل أمريكا فالرقاصة عندنا تكسب في يوم ما لا يكسبه ألف كاتب محترم في ألف ألف عام!

… وكله بالعرض والطلب!

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.