عبد الحميد أحمد

كداب يا خيشة

كان يمكن أن تكون أغنية «كداب يا خيشة» موضوع كلامنا اليوم إلا أنني قرأت بالصدفة أمس جملة لنورمان شوارزكوف، فعدلت عن الفكرة إلى غيرها.

فالجنرال الذي احتجب عن الأضواء بعد أن كان محورها نجماً تلفزيونياً عالمياً منذ شهور يصرح بأنه قبل ستة أشهر امتثل لأوامره ٥٤١ ألف شخص حالما يصدرها بينما يجد اليوم صعوبة في أن يحصل على بايب فيتر واحد يصلح له مواسير بيته!

وأعتقد أن شوارزكوف لم يسمع أن أعظم جنرالين في التاريخ اثنان: جنرال إلكتريك وجنرال موتورز.

وهذا هو عيب الرأسمالية.

ومع ذلك فإن الرأسمالية انتصرت وصار حتى على الاتحاد السوفييتي عدوها اللدود الذي تساقطت عنه أوراق التوت فإذا حاله من حال العالم الثالث المصاب بالأنيميا وبألف علة وعلة، أن يسعى إلى اقتصاد السوق، ويستنجد بأعداء الأمس لكي يسعفوه بالرأسمالية.

وبما أن الاتحاد السوفييتي سقط في مدرسة الشيوعية، أو أن الشيوعية سقطت في مدرسته، لا فرق فإن عليه الآن أن يبدأ في تعلم أبجد هوز الرأسمالية وألف باء الديمقراطية، قبل أن يقدم أوراق اعتماده إلى نادي كبار الرأسماليين.

وقرأنا مؤخراً عن فيالق سلام محترفة أعلن عنها وزير الخزانة الأمريكي نيكولاس برادي مهمتها تلقين السوفييت مبادئ وفهلوة الرأسمالية من إدارة الأعمال والتسويق والمحاسبة وكل ما يتعلق بمقاييس السوق ومعاييره ومتطلباته، كما قرأنا خبراً آخر عن فتح مدرسة أمريكية في موسكو لتعليم السياسيين أصول لعبة الديمقراطية، وكيف يفوز الناخب وكيف يقوم بحملته الانتخابية إضافة بالطبع إلى كيف يتحدث للتلفزيون ويقف أمام الكاميرا، ومتى يحرك شفتيه دون كلام ومتى يغلق عينيه أو يرفع يده… إلى آخر هذه التعاليم التي يجيدها الأمريكان ويجهلها الروس وغيرهم من المتخلفين عن ركب الديمقراطية.

غير أن الرأسمالية التي تزحف على العالم، وتلك الأخبار المتعلقة بها ومنها أخبار فيالق السلام والديمقراطية السابقة، لم تذكر لنا ما إذا كانت ستكشف عن عيوبها ومخازيها البشرية وهي تعلم الناس مبادئها وآلياتها، رغم أن صحافة الغرب تعج بها يومياً سواء ما يتعلق بمقدار البؤس والبطالة، أو ما يتعلق بالتشوهات النفسية والأخلاقية والفضائح تحت شعارات الحرية الشخصية ودعه يعمل دعه يمر، وحقوق الإنسان بالطريقة التي تراها وتخدم مصلحتها.

وفضيحة لاعبة التنس مارتينا نافراتيلوفا مع صديقتها جودي نلسون التي تشغل الآن صحافة بريطانيا وأمريكا، تكفي نموذجاً لأمراض المجتمع الغربي، الذي يعيش بمنطق المال والمنفعة والعرض والطلب ومنطق الحرية إلى حد إباحة الشذوذ.

رغم ذلك، فإنه لا غنى عنها بعد انتصار زعيمتها أمريكا التي تقود العالم الآن منفردة فالرأسمالية كما يقول تعريف ساخر لها هي الكارثة الوحيدة التي يرحب بها البشر إذا نزلت بهم.

وشخصياً فإنني أرحب بها، شريطة ان تنفخ جيوبي بالمال، قبل أن تنفخ رأسي بمبادئها، وإلا سأعود للحديث عن أغنية «كداب يا خيشة».

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.