عبد الحميد أحمد

ابتسامة

في تورنتو بكندا صار من حق الزبون أن يحصل على وجبة بيتزا مجانية فيما لو قدمها له العامل ولم يبتسم.

هذه هي آخر صيحة في التنافس على الزبائن وفي الترويج للمطاعم، فقد أعلنت شركة «بيتزا بيتزا» التي تملك أكبر سلسلة مطاعم فطائر في كندا عن ابتسامة إلزامية تقدم مع كل فطيرة وإلا فإنها بلا مقابل.

ومع أن خبراء التسويق رأوا أن الشركة بابتسامتها الإلزامية قد تمادت كثيراً بتقديمها أسخف اقتراح تسويقي يخطر على البال، إلا أن مدير الشركة يؤكد على أهمية أن يثبت لعملائه مدى اهتمامه بنوعية الخدمة ونوعية الطعام.

وبما أننا لم نصل بعد إلى هذا الترف لكي نطالب مطاعمنا بتدريب عمالها على خدمة الزبون بالابتسام الإلزامي إضافة إلى أننا لا نريد منهم هذه الابتسامات لأن من شأنها أن تقلب المزاج والشهية ومن ثم تقلب المعدة فوق تحت، حين يرى الزبون الأسنان الصفراء أو السوداء أو المكسرة فإن أقصى ما يتمناه رواد المطاعم هو حصولهم على وجبة نظيفة خالية من جناح ذبابة أو رجل صرصور أو شعرة الطباخ داخل أطباق الأكل.

وأتذكر صديقاً طريفاً سأل عامل مطعم هندياً بعد أن وضع أمامه شوربة دال فيما إذا كان الطبق الذي جلبه له لشخصين اثنين وحين رد العامل بأنه لشخص واحد، بادره الصديق بالاحتجاج التالي: إذن لماذا فيه ذبابتان؟

مع ذلك فإن ثمة مطاعم عندنا، خاصة التي في فنادق الدرجة الأولى، جربت تطوير الخدمة وتقديم الوجبات مرفقة بما هو أكثر من الابتسامة وجه صبوح وقوام رشيق وأناقة تفتح كل نفس مصدودة باستخدام مضيفات شمحوطات من الفلبين وتايلاند وغيرهما، إلا أن ثمن الوجبة تضاعف إلى ثلاثة أمثال وصار على الزبون أن يدفع ثمن كل هذه الحفاوة من جيبه.

وبما أنني شخصياً ومثلي كثيرون من الزملاء في الجريدة من رواد مطاعم الكيما والمصالا والبرياني والتكة والكباب والعرايس والفول المدمس والطعمية والشاورما، فإنني بالنيابة عنهم جميعاً أشكر إدارة الصحة ببلدية دبي على البشرى السارة التي زفتها لنا بإعلانها تطبيق نظام النقاط السوداء على محلات بيع وصنع المأكولات ومعاقبة المخالفين ذوي الخمسين نقطة، إذ إن من شأن هذا النظام أن يجعلنا نقبل على هذه الأكلات المحبوبة والمفضلة لدينا باطمئنان أكثر وبشهية مفتوحة، خاصة أننا لا نرتاد هذه المطاعم إلا في الليل، حيث يصعب على الواحد منا اكتشاف ما فيها من ألغام أو صواريخ كيماوية أو رؤوس نووية مدمرة حتى لو استعان بفريق تفتيش دولي أو بمروحيات الأمم المتحدة أو بأقمار أمريكا الصناعية التي تستطيع التقاط عنوان كتاب ملقى على الأرض في شارع ببغداد.

وعلى ذكر النقاط السوداء وهي الفكرة التي ابتكرتها وأطلقتها شرطة دبي التي عودتنا باستمرار على تطوير أدائها وخدماتها لحماية الناس وأمنهم فإننا نتمنى انتشار عدواها كما حدث لقسم الصحة في البلدية إلى كل دوائرنا ووزاراتنا ومؤسساتنا بل وإلى منازلنا التي سلمنا فيها شؤون عيالنا لمربيات أجنبيات والأخطر مصير بطوننا للبشاكير والطباخات، مما جعل صحيفة حياتنا بما فيها المنزلية كلها نقاط سوداء.

 

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.