عبد الحميد أحمد

عش رجباً تر عجباً

ثيران كوبا مهددة بالعودة إلى عصر العبودية والاستقلال فكاسترو انتهى من تدريب ١٠٠ ألف ثور، ويدرب حالياً ١٠٠ ألف ثور آخر لمواجهة الأزمة الحادة في الطاقة التي تعصف ببلاده، حيث يتحدى التحول إلى الديمقراطية ويتمسك بالشيوعية.

وثيران كوبا مسكينة، لأن غيرها من ثيران العالم، ومع اختراع أدوات النقل والزراعة الميكانيكية، صارت مرتاحة، تأكل وتسمن وما عليها إلا ملاحقة البقر واخصابها، وهي مهنة كما تعرفون يتمناها الجميع.

ذلك هو قدر الحيوانات مع الإنسان وتعكس حاليتها حالة الإنسان وتطوره، ونحن نتحدث كثيراً عن حيوانات حيث صار لها المقام العالي، على عكس حيوانات العالم الثالث، حيث الإنسان والحيوان معاً في أسفل الدرجات.

وفي فرنسا نهرت سيدة رجلاً يجلس قبالتها في باص قائلة له: «أرجوك احتفظ بكلبك بالقرب منك، إذ أشعر ببرغوث في حذائي» فنادى الرجل كلبه: «تعال يا ميسترال، هذه المرأة فيها براغيث».

وأظهرت دراسة في بريطانيا أن الكلب يكلف صاحبه ٧٥٠ جنيهاً استرلينياً كل عام والقطة تكلف ألف جنيه في حياتها والأرنب ١٣٠٠ جنيه، ولو أحصينا عدد الذين يربون الكلاب والقطط في بريطانيا «تقريباً كلهم إذ لا يوجد بيت يخلو من حيوان أليف» لعرفنا مقدار الثروة التي تصرف على هذه الحيوانات.

الدراسة أوضحت أن تلك الثروة لا تذهب على الأكل وحده، بل إن أصحاب القطط والكلاب يصرفون ١٠٠ جنيه كل عام على ألعاب هذه الحيوانات واكسسواراتها، إضافة إلى مبالغ أخرى سنوية تصل ما بين ٥٠ إلى ١٠٠ جنيه تدفع كتأمين على حياة وسلامة وصحة الحيوان.

وتعرفون أن في بلاد الغرب، كأمريكا وأوروبا، فنادق خاصة للكلاب وعيادات وملاعب تتدرب فيها للحفاظ على رشاقتها ولياقتها، ومحلات أخرى للتزاوج وتبادل الغرام على أصوله وبأدب جم وبعيداً عن أعين الفضوليين من البشر أمثالنا.

ونعرف أكثر أن الجماعة هناك بلغت بهم الرقة حداً لا يسمح لهم بإيذاء الحيوان جسدياً، ولا حتى إيذاء مشاعره وجرح أحاسيسه، وقرأت مرة عن سيدة هولندية أخذت هرتها إلى عيادة البيطري فسألتها الممرضة: أصحيح تريدين استئصال مخالبها؟ فأجابت السيدة همسا خافتاً: «أرجوك لا ترفعي صوتك، فقد أخبرت الهرة أن المسألة كلها تتعلق بتلوين أظفارها».

ولو كانت حيواناتنا تقرأ الصحف وتطلع على الدراسات والتقارير الغربية حول زميلاتها وبني جنسها، لكفرت بنا وتمنت لو أنها في حضانة أوروبي أو أمريكي فينالها الدلال والرعاية، بدل الدهس والدعس والحصا والعصا عندنا.

ولا اعتراض لدينا على حيوانات الغرب، التي تعكس حالتها المستوى المادي والرفاه والتحضر الذي وصلوا إليه هناك، ولكن قصدنا اليوم المقارنة بما عندهم بالبشر عندنا حيث يمشي البعض في أرجاء وطننا العربي وهو يحلم بصابونة، أما ثيران كوبا، فلعلها تقوم بما عجز عنه الكوبيون، حين تثأر لنفسها وتنظم ثورة مضادة تجندل كاسترو عن عرشه، إذ إن عصر العبودية للبشر والحيوانات معاً ولّى فيما كاسترو ومن هم على شاكلته يريدون عودة هذا العصر ولو على أكتاف الثيران والقطط والكلاب، هذه المرة وعندما سنشهد لأول مرة في التاريخ، ثورات أبطالها حيوانات وكل شيء جائز في دول الغرائب والمتناقضات والخرافة، وعش رجباً تر عجباً.

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.