ربما تتحول دوائر الشرطة عندنا في سنوات قليلة إلى إدارات للخدمة الاجتماعية والنفسية ويتحول الشرطي إلى حلال مشاكل عائلية وزوجية.
ولا نبني هذا الكلام على فراغ بل على حقائق وحوادث تشهدها مراكز الشرطة حيث يعجز رب العائلة مثلاً عن حل مشكلته مع ابنه فيقوده إلى الشرطة، أو يتعب من ممارسات زوجته معه وعصيانها لأوامره فيقدم بلاغاً ضدها.
وفي الحكايات المنشورة اليوم عندنا وفيها من الطرافة ما فيها ما يسند كلامنا إضافة إلى ما تحدثنا عنه أمس في هذه الزاوية.
ومؤخراً قرأت عن رب عائلة مصري استنجد بالشرطة وقدم بلاغاً ضد ابنته طالبة الإعدادي حيث سرقت منه ٣٥ ألف جنيه لتشتري سيارة لصديقها وفي مركز شرطة الجيزة تم استدعاء الابنة التي بررت فعلها بفقدانها الحب والرعاية في كنف الأسرة وفي المركز نفسه تمت تسوية المشكلة بين الأب وابنته.
وان تنتهي المشاكل العائلية والزوجية بوصولها إلى الشرطة أفضل من ان تنتهي بالعنف والجريمة مثل حكايات الزوجات التي انتشرت العام الماضي والذي قبله، حيث قرأنا عن زوجات قتلن أزواجهن وبعضهن تفنن في الجريمة حين أحرقن الأزواج أحياء أو قمن بتقطيعهم وفرمهم ووضعهم في أكياس بلاستيك كما قام الأزواج بدورهم بجرائم مماثلة ضد زوجاتهم.
وصحيح أن مثل هذه الجرائم العائلية لم تحدث عندنا لكن مجرد وصول المشكلات العائلية إلى مراكز الشرطة وفتح بلاغات ومحاضر عنها يدل على يأس أصحابها وثقل هذه المشكلات عليهم وعدم وجود جهة أخرى يلجأون إليها كالعيادات الاجتماعية والنفسية مثل ما هو موجود في البلدان الغربية، وعندها فإن صاحب المشكلة يفضل بعد أن ضرب رأسه بالحيط دون جدوى مرات ومرات أن يقحم الشرطة فيها حتى لو كان في ذلك فضائح وفظائع أيضاً. وفي المنشور اليوم عندنا نقرأ إضافة إلى الزوج الذي اشتكى على زوجته الثرثارة والتي تحدثنا عنها أمس، حكاية الزوج الذي قدم بلاغاً على زوجته صاحبة الكيف والتي يبدو أنها لا تعرف أن تربي أولادها ولا أن تطبخ قبل أن تتناول كأسين معتبرتين تصلحان المزاج وهناك سالفة الخدامة التي أخذت تكيل المديح للزوج الحنون وبالمقابل تكيل الشتم للزوجة المتغطرسة أمام الشرطة.
وقصص الخدامات وحدهن تحتاج إلى أقسام خاصة لسماعها وحل مشاكلها. فما يكاد بيت يخلو من مثل هذه القصص الغريبة ومنها أن كثيراً من الأزواج طلقوا زوجاتهم وتزوجوا من الخدامات بعد أن ثبت لديهم أنهن أكثر حناناً وخدمة في البيت وهدوءاً وصبراً كذلك من الزوجات أنفسهن.
ولكي لا يكون كلامنا في مجمله موجهاً ضد النساء فحسب كما كان في زاوية الأمس، فإن في الرجال أنفسهم نماذج غريبة لتصرفات وممارسات طريفة لا تدخل العقل وكثيراً ما كانوا هم أنفسهم سبباً للمشكلات.
ومرة سأل طفل صغير أمه ببراءة السؤال التالي: هل صحيح أن الملائكة تطير؟ فقالت له أمه: نعم فرد الطفل: لكن خدامتنا لم تطر حتى الآن رغم أن أبي يقول لها دائماً يا ملاكي!
طبعاً الأم أمسكت الحرامي بعد حوارها مع طفلها و«طيرت» الخدامة على أسرع طائرة إلى بلدها لتسك على زوجها وتحافظ على بيتها وكل هذا وما قلناه بالأمس قليل من كثير مما لا نعرف. وتشهده بشكل شبه يومي مراكز الشرطة من مشكلات عائلية لا تخلو من الطرافة والغرابة وتجعل رجال الأمن يقلبون رؤوسهم في دهشة أو يكتمون ضحكات خفيفة في أعماقهم وهم يواجهون مثل هذه الحالات التي لا وجود لها في القوانين التي تعلموها أو التي يعملون بها حالياً، فالحياة لها قوانينها ومنطقها الذي يخترعه البشر، ومنه ما نضحك عليه ونتسلى، أو نبكي منه ويعقد السنتنا ويخرسها.
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.