لو أن ثلاثة أطنان من المخدرات، وهي الكمية التي نجحت شرطة الشارقة في ضبطها، دخلت البلاد وتم ترويجها، لرأينا نصف مجتمعنا، بمواطنيه والمقيمين فيه، مساطيل من ثاني يوم، ولسمعنا الشوارع تضج بالضحك والنكت على آخر مزاج.
ذلك كان تعليق أحد الزملاء عند وصول الخبر إلى مقر الجريدة، ونضيف عليه، لو أن الكمية المضبوطة نجحت لا قدر الله من الإفلات من قبضة الشرطة، ومن ثم تم ترويجها فإن عدة عشرات من البيوت والأسر ستدخل خانة الخراب، وعدة مئات من شبابنا وغيرهم من المتعاطين أو من الذين يتم الضحك عليهم فيبدأون في التعاطي سيكونون في خانة من خسرناهم، حيث بإمكان مثل هذه الكمية أن تدمر وتتلف هؤلاء وتخرجهم من طور الأسوياء الأصحاء المنتجين إلى طور المرضى والشحاتين ونزلاء المصحات النفسية والعصبية.
وأعجبني تعليق زميل آخر على الحادثة، ولابد أن مثل هذا التعليق أو الخاطر قد ورد في بال آخرين حين ربط بينها وبين معرض الكتاب السنوي بالشارقة وحجته أن المهربين الذين تقف وراءهم وتساندهم شبكة دولية كما قيل، كانوا يهدفون إلى تخريب الآثار الجميلة لمعرض الكتاب، حيث إن مثل هذا المعرض يعمل على بناء العقول والنفوس وتزويد الناس بعدة الوعي والمسؤولية والنضج، فيما المخدرات تقوم بالعكس تماماً.
ونحمد الله أن معرض الكتاب قد نجح تماماً، فكون مبيعاته تصل إلى حوالي ثلاثة ملايين درهم يعني أن عندنا قراء وناساً متحضرين يقبلون على المعارف، ولا تشغلهم قراءة الفواتير من كهرباء وخلافه، ولا قراءة مؤشرات الأسهم، كما ذكرنا في زاوية سابقة، عن الكتاب، الذي هو أم المعارف وأم الثقافة.
ومثل هؤلاء الناس والشباب هم أمل المستقبل، لكن المستقبل هذا، هناك من لا يريده لنا، ويريد تدميره من الآن، وعلى رأسهم المهربون وتجار المخدرات والحشيش والأفيون والهيرويين ومن يقف وراءهم ويساعدهم ويمولهم كذلك.
ثم إنه لابد أن تفتح هذه الحادثة، حادثة المخدرات بالأطنان بعد أن سمعنا حتى شبعنا عن حوادث المخدرات بالكيلوجرامات، أعيننا وعقولنا على هذا الخطر الداهم، الذي حذرنا منه مراراً وتعبت أجهزة الشرطة وهي تتحدث عنه، لتكون عندنا مثلما هو موجود في دول أخرى، حملة وطنية شاملة، لقطع دابر هذا الخطر، واستئصاله من جذوره.
وأول المطلوب تشديد العقوبات، حتى لو وصلت إلى الإعدام والسجن المؤبد، لكي تكون رادعاً فعّالاً لكل تجار هذه السموم ومروجيها، إذ لا يمكن لمجتمعنا أن يتقدم فيما هناك من يدمر أحسن ما فيه: شبابه.
وإذا قلنا لشرطة الشارقة برافو وحييناها على إنجازها، فإن خير تقدير لجهودها ولجهود كافة دوائر الشرطة بالإمارات، هو أن نجعل من هذه الحادثة بداية جديدة أخرى في محاربة العابثين بالمجتمع والبداية في كشف كل ما يتعلق بهذه الجريمة بوضوح وصراحة، ثم معاقبة مرتكبيها بأقسى ما يمكن من عقوبات، ومن غير هذه البداية القوية، قد يصبح مجتمعناً ساحة مفتوحة ومشجعة لآخرين من مروجي وتجار الموت والخراب، وما أكثرهم، وإلا فإن كل ما نفعله وفعلناه حتى الآن ضد هؤلاء لا يزيد عن كونه مزاحاً.
يدنا مع يد رجال الأمن الساهرين على حماية شبابنا من كابوس مخيف وخطر قد يصبح داهماً.. وتعظيم سلام لشرطة الشارقة.
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.