ونحن نحتفل بالعيد الوطني العشرين، فإن أفضل هدية نقدمها للوطن هي أن نحبه، وحبه لا يكون بالكلام والأغاني والفرح فحسب، بل بالعمل والفعل والإخلاص والممارسة.
علينا أن نعكس حبنا لوطننا عملاً يومياً، وفي ممارستنا للحياة كل يوم في كل جوانبها، فالحب ممارسة قبل أن يكون قولاً. وعلى ذلك، فإن الذي يتهاون في عمله، مهما كان بسيطاً أو ذا شأن، وسيلة لتحقيق أغراضه الشخصية لا يحب وطنه.
فالموظف الذي يعطل مصالح الناس في سبيل رشوة أو عطاء أو هدية لا يحب وطنه، وكذا الذي لا يقوم بأداء عمله على خير ما يجب ويتغيب عن الدوام ويتخلف في الصباح عن الحضور إلى مقر عمله، وكذا الذي تغيب أمس عن عمله بعد انقضاء الاجازة هؤلاء لا يحبون وطنهم وإن تشدقوا بذلك.
والطالب الذي يهمل دروسه ولا يؤدي واجباته المدرسية، يتغيب عن حصصه بلا عذر، والذي يهرب من المدرسة ويتسلل من فوق حيطانها والذي لا يستمع لمدرسيه ولا لوالديه، ولا يحترمهما، هو طالب لا يحب وطنه، وإن وقف في طابور الصباح يردد: بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي.
والتاجر الذي يجري وراء الدرهم ليل نهار جري الوحوش، وعلى الرغم من أنه غير رزقه لن يحوش، فلا يرى عياله وزوجته إلا مرة في الأسبوع، والتاجر الذي يحتكر البضائع ويغش فيها ويرفع سعرها ويبلع فوق كسبه المشروع، أضعافاً أضعافاً ولا يساهم في بناء مجتمعه بالدعم والتبرع هو تاجر لا يحب وطنه، فوطنه المال والفلوس.
والمرأة التي لا تشرف على تربية أولادها وتترك شأنهم للخادمة والمربية، والتي تسرف في المصروف وتسرف في المشتريات غير الضرورية، والتي تجري وراء الموضة والتقليد والمباهاة والتفاخر، هي امرأة لا تحب وطنها، مهما قال لسانها عكس ذلك.
والشاب والفتاة معاً، اللذان لا يحترمان تقاليد المجتمع وعاداته، ويجرحان مشاعره ويخدشان سمعته بسلوكياتهما ويعرضان الآخرين، من أهل وأقارب وأصدقاء وناس البلد إلى الأذى، بما في ذلك أذى النظر والسمع، فإنهما لا يحبان وطنهما، وإن وضعا خلف سيارتهما ملصق: أنا أحب الإمارات.
والشاب والرجل معاً، ممن يهدران أوقاتهما ويضيعانه بلا قيمة ولا مردود، ومن يتلفان صحتهما ولا يحافظان عليها بالرعاية والاعتناء والرياضة واللياقة، ويعرضانها للأخطار والأمراض بلا مبالاة، لا يحبان وطنهما، بل يعرضانه للخسارة والهدر. ولاعب الكرة الذي يلعب من أجل المرسيدس أو المكافأة المالية في نهاية المباراة، لا يحب وطنه، ومثله كل من يكلف بعمل، أو مهمة فيرفضهما إذا لم يحصل على مكافأة، أو يتقاعس ولا يتقن أداءهما، وإن وقف ليؤدي النشيد الوطني أمام الجمهور أو أقسم أمام المسؤول.
والمسؤول الذي لا يكون قدوة لموظفيه وعماله ويقول مالا يفعل، هو مسؤول لا يعرف معنى أن يحب وطنه.
وكل مواطن أو مواطنة مسؤولاً كان أم غير مسؤول، لا يحافظ على المال العام ويتلف المرافق العامة ولا يحميها، هو مواطن غير جدير بأن يحب وطنه.
ولابد أن بيننا من المواطنين من كان الكلام الذي سلف ينطبق عليه، إذ لا يمكن أن يكون المواطنون كلهم ملائكة ليس فيهم من يخطئ، لكن خير الخطائين التوابون، وأمام هؤلاء فرصة أخرى لكي يحبوا وطنهم عملاً وممارسة نقية وأداء مخلصاً، خلال الأيام والأعوام المقبلة من عمر الوطن، الذي يكبر عاماً بعد عام بفضل من يحبه ويعمل من أجله بإخلاص وبتفانٍ عظيمين.
وكل عام والوطن بألف خير وألف حب.
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.