عبد الحميد أحمد

كلام الليل

بطرس غالي هو الثالث في العائلة، وليس الثاني كما ذكرنا أمس خطأ فصحح زميل لنا المعلومة، وأفاض في الحديث عن تاريخ العائلة البطرسية، منذ أيام الباشوات والباكوات حتى زمن الأفندية والبشمهندسين، إلى زمن الدكاترة والبروفيسورية.

وبعيداً عن كون غالي هو بطرس غالي الثالث أو بطرس الأكبر، أو الأصغر، أو حتى بطرس السادس عشر، فإن الأمين العام الجديد للأمم المتحدة عربي من مصر ومن أفريقيا ومن العالم الثالث وكل ذلك يكفي ليكون مفرحاً لأبناء العروبة ولأبناء القارة السوداء ومعهما العالم الثالث الذي قالوا له: أبوك مات من الجوع، فقال: «هو كان شاف شيء ولا كلش»!

أما آسيا وأمريكا الجنوبية، باعتبارهما من العالم الثالث، فقد تم تكريمهما سابقاً حين تولى أمينان عامان منهما المنصب الدولي، أما أفريقيا، فلا نعرف إن كانت سعيدة أم لا، أم بين بين، خاصة أن مرشحاً آخر منها كان ينافس غالي فخرج من المولد بسبعة أصوات فقط، ففاز عليه غالي.

أما أبناء العروبة فإنهم كالعادة عند مثل هذه المناسبات ينقسمون إلى فئتين: فئة مهمتها أن تفرح وترقص وبس، وفئة مهمتها أن تعارض وتلطم الخدود وبس أيضاً.

والفئة الأخيرة عرفناها من قبل بأنها التي لا يعجبها العجب، فلو أن غالي لم يفز لقالت إن في ذلك مؤامرة أمريكية صهيونية، وإن المنظمة الدولية التي تسيطر عليها أمريكا لا تريد أن يحتل أرفع مكان فيها عربي، وأنها لا تزال تخضع للنظرة العنصرية الضيقة وهكذا.

وبما أن غالي فاز، فإن الفئة إياها همست في البداية ثم إن بعضها كتب في صحف المعارضة وغيرها أنه فاز لأنه كامب ديفيدي ساداتي، وإن في دعم ترشيحه ما فيه من خبث مقصود، وإن وراء الأكمة ما وراءها، متجاهلين أن مواصفات الرجل العلمية والدبلوماسية وحتى الشخصية تتناسب تماماً مع هذا المنصب الدولي، والتي قليلاً ما تتوفر في آخرين، ومتجاهلين أيضاً أننا على وشك أن نوقع كلنا هذه المرة على السلام مع إسرائيل.

بعض هؤلاء ذهب بعيداً حين نبش في التاريخ الشخصي لغالي، وفي سجل عائلته، وفي أوراق أحواله الشخصية، فهو عندها لم يكن ليحظى بهذا المنصب لولا أنه مسيحي، ومن عائلة معروفة تاريخياً بمواقفها السياسية التي يرون فيها تناقضاً لمصالح الأمة، ثم أخيراً لأنه متزوج من يهودية، مع أن اليهودية مصرية والرجل المسيحي مصري أيضاً وليسا من أي دولة أخرى.

وصحيح أن أعضاء مجلس الأمن وضعوا كل هذه الاعتبارات، على الطاولة عند التصويت إلا أن ذلك لا يقلل من كون الاختيار الأول جاء لفكر الرجل وخبرته الدبلوماسية وكفاءته السياسية الدولية، قبل أي معايير أخرى.

وعندي أن مثل هذه الفئة لا تختلف عن شامير، فهي في تصريحاتها وتنظيراتها تزايد في تقدميتها وإنسانيتها حتى على لينين، وفي المحك والميدان هي مثل شامير الذي لم يعجبه أيضاً فوز غالي ولن يعجبه حتى مرشح آخر وإن كان يهودياً، إذا لم يكن عضواً في الليكود، ومن سلالة شتيرن والارجون وغيرهما من العصابات الإرهابية الصهيونية العنصرية.

أما الزواج من يهودية فانتظروا لحين إبرام الاتفاق النهائي للسلام مع إسرائيل لتروا أننا جميعاً نهب هبة رجل واحد للزواج من يهوديات لا لكي ننتقم من إسرائيل فحسب بل لأن «كلام الليل مدهون بزبدة بيطلع عليه النهار يسيح».

وعلى رأي المثل… «شوفوا اللي جاي».

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.