عبد الحميد أحمد

الطور في البرسيم

من مصر المحروسة، نستورد اليوم هذه الحكاية الطريفة وليس هناك أجمل وأعذب من النكتة المصرية المزبوطة.

قال شيخ الغفر للعمدة: لقد حلمت البارحة يا عمدة أني واقف في غيط وورايا برسيم وقدامي برسيم، فرد عليه العمدة: أبشر خيراً حاتبقى طور الله في برسيمه، وكان بودي اليوم أن أحلم وأتمنى وأسرح وأمرح في الأحلام اللذيذة لعام ٩٢ الذي سيدخل علينا بعد ثلاثة أيام لولا أنني قررت أن أتراجع، حتى لا أصير مثل شيخ الغفر.

فنحن في مطلع كل عام جديد ندبج الأمنيات السعيدة وننسج من الأحلام عمامة جحا التي لها أول وليس لها آخر ثم يأتي العام وينتصف ثم ينقضي فإذا أحلامنا في واد وواقعنا في واد آخر وعمامة جحا كما هي عالية «ع الفاضي».

حلمنا العام الماضي والعام الذي قبله وطوال الأعوام الماضية، أن تكون أمتنا العربية قوية وعلى موقف واحد. فأما أنها قوية فهذا واضح ولا يحتاج لكلام منا، فنحن نفاوض إسرائيل ونجري لكي ترد إلينا حقنا وهي تركض بعيداً عنا ولا تريد أن ترد إلينا شيئاً، وأما أننا على موقف واحد فاسألوا صاحب أم المعارك والنشامى من جماعته الذين لا يريدون حتى الآن الاعتراف بجرم ما ارتكبوه.

وحلمنا بعودة فلسطين إلى أهلها وإذا بفلسطين تبتعد عنا وعن أهلها أكثر فأكثر، وحلمنا بالتكامل الاقتصادي والتنمية الشاملة وأصبحنا بلا اقتصاد ولا تنمية، بل زيادة مطردة في عجز الميزانيات وتخلف في الأداء الاقتصادي واستنزاف ثروات وقحط وجوع في بعض دولنا وديون لصندوق «النكد» الدولي.

وحلمنا بعمل وبيت وسيارة لكل مواطن عربي، لكن الحال أن كل مواطن عربي كان يملك بيتاً وعملاً وسيارة صار على الحصيرة، وحلمنا بحرية الرأي وحرية الكلام، فصرنا لا نملك هذه الحرية مع زوجاتنا في بيوتنا، وحلمنا بتعليم الأطفال ومحو أمية الكبار، فتخرج في شوارعنا أطفال حماميل وكولية وازداد الكبار، جهلاً وقلنا الدواء لكل مواطن فتحول الشعار إلى حشيشة لكل مواطن.

وإذا كان فيكم من يرى خلاف ذلك فليفدنا شريطة أن يدعم كلامه بالأرقام والمعلومات حتى نصدقه ونبوسه على رأسه ونعتذر له مع إيماننا الكامل بأن ذلك لن يحدث.

ومفهوم أن كلامنا هذا عام عن الحالة العربية، وإذا رأيتم فيه تشاؤماً فأنتم أحرار ذلك لأن كل ما حلمنا به عبر السنوات الماضية صار يتراجع ويتراجع وصار الحصول على واحد بالمائة منه وعلى أقل القليل منه، هو غاية ما نتمنى.

وبما أن أحلامنا الكبيرة هذه قد تكون هي السبب في كل هذه النكسات والوكسات فإننا نطلب منكم أن تجربوا هذه المرة استقبال عامكم الجديد بلا أحلام ولا أمنيات فلعله يكون بذلك عام خير ولا تصبحون طور الله في برسيمه.

أما الذي يحلم بإتمام زواجه والذي يحلم بأن تحن عليه حبيبة القلب بنت الجيران وترضى به عريساً أو الذي يحلم برضا مديره عنه وترقيته أو الذي يحلم بأن تسلمه زوجته الزر النووي في البيت فلهؤلاء نقول: اغرقوا في أحلامكم واشربوا منها ما شئتم فأحلامكم ليست قومية ولا وطنيه ولن تخرب اقتصادنا العربي ولا تضامننا السياسي ولا سير مفاوضات السلام.

وكفانا الله وإياكم شر الأحلام والحالمين.
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.