سيقهقه اليوم، الأول من يناير من عامنا الجديد، الذي ندخل فيه وكلنا دعاء إلى الله أن يجعله عام سلام وأمان وفرح، الآلاف من اتباع المشعوذ الهندي راجنيش، الذي تسميه بعض وكالات الأنباء بالحكيم.
فقد أعلن هؤلاء اعتبار اليوم يوماً عالمياً للضحك، ودعوا الجميع إلى الضحك لعشر دقائق لإبعاد الأجواء المشؤومة السائدة في العالم، على حسب رؤيتهم لما يجري.
على ذلك، وحسب الخبر المنشور منذ أيام، فإن عشرة آلاف من أتباع راجنيش سيقهقهون اليوم في مدينة بونا غرب الهند، وسيشاركهم الضحك خمسة آلاف من زملائهم في ألمانيا وألفان في إيطاليا ومثلهم في اليابان، وثلاثة آلاف آخرين في أمريكا.
غير أننا نحن الصحافيين نحتج على سكرتير الجماعة، المدعو نيلام، والذي وجه دعوات لحضور جلسات خاصة بهذه المناسبة، رحب فيها بحضور الصحافيين، لكنه اشترط عليهم إبراز شهادات خلو من مرض الإيدز، ولا نعرف لماذا افترض نيلام، إصابة الصحافيين بالإيدز، رغم أن التقارير تقول إن الصحافيين يموتون بالذبحة الصدرية وضغط الدم والسكري والسرطان والقرحة، وبالسجون والتعذيب، وفي الحوادث والحروب، ولم نسمع حتى الآن بأي صحافي مات بالإيدز.
ولولا هذا الاستفزاز وهذه الصفاقة، التي أغضبتني كما ولابد أنها أغضبت آخرين من الزملاء الصحافيين، لكنت اقترحت على الجماعة أن تنشر دعوتها في عالمنا العربي، لتجد في ظرف أيام قليلة ملايين الأعضاء الذين يسارعون في تسجيل أسمائهم لدى هذه الجمعية المضحكاتية، بفارق أن الأعضاء من بلادنا العربية مؤدبون، لا يضحكون من أجل الضحك، فهو قلة أدب، وعندهم لكل ضحكة ألف سبب وسبب.
ولكي يقتنع نيلام وجماعته من اتباع راجنيش بكلامنا هذا سأعطيه اليوم أمثلة لضحكنا، فمن القاهرة قرأت لمواطن عادي نصائح عامة نشرها في إحدى المجلات، يقول فيها لأخيه المواطن إنه من أجل مستقبل أفضل لبلدنا الحبيب أيقظ ضميرك ولا تعمل في الظلام، بل انتظر عودة الكهرباء وينصحه أيضاً بعدم السهر كثيراً أمام التلفزيون حتى يستطيع الاستيقاظ مبكراً للوقوف في طابور الجمعية وأخيراً يطلب منه عدم اليأس من حياته، فلعله يظهر على الأرض من يفهم ضريبة المبيعات ويشرحها للمواطنين.
أما مواطن آخر فيقول بالنيابة عن شركة الكهرباء: أوقد شمعة خيراً من أن تلعن فاتورة النور، وعلى لسان مصلحة المجاري يقول: جهز بدلة الغطس عشان تخرج تشوف أكل عيشك، وعلى لسان المسرح: اللي ما ربهوش أمه وأبوه نبوظ أحنا أخلاقه بزيادة، وعلى لسان الأرصاد الجوية لو عاوز تأخذ نزلة برد اسمع كلامنا.
وأغلب ما ينطبق على القاهرة من كلام ونكت وضحك ينطبق على كل عواصمنا بفوارق طفيفة، فالحال من بعضه وما عند دولة عند أخرى منها الكثير والأمر، من الذي يطلق العنان والخيال والابتكار لتألف الضحك المزبوط، بسكر زيادة وع الريحة، من الذي نسمعه على المقاهي وفي المجالس.
من ذلك أن محاسباً في بيروت قال لموظفة جديدة بإحدى الوزارات: أرجو التوقيع على إيصال استلام الراتب، فقالت الموظفة بعد قراءة الإيصال: ماذا؟ ٧٥ ألف ليرة فقط؟ فرد عليها الموظف متلعثماً وفي أدب: أرجو المعذرة من الأوراق المالية القديمة لأنها لا تخلو عادة من الجراثيم، فقالت له غاضبة: جراثيم لا أعتقد أن الجراثيم تستطيع أن تعيش بهذا الراتب. وهكذا فنحن أمة تضحك من المحيط إلى الخليج ضحكاً مؤدباً مؤدباً، وبما أن اليوم إجازة، فإنه لابد حين يلتقي الناس بعضهم ببعض من أن يتبادلوا أمثال هذه الضحكات في مطلع العام الجديد، ليغسلوا بذلك أحزان العام الذي مضى والذي قبله وقبله، وأتصور الآن جماعة من إخواننا السودانيين يقول زول فيهم: بني الإنقاذ على خمس، حراس الكباري والسعر التجاري.. فيكمل الآخرون في نفس واحد بقية الأركان العتيدة حتى تنفجر ما فيهم بالدموع، من الضحك طبعاً، إذ لا مكان عندنا للأحزان، ولو عرف اتباع راجنيش بحالنا لما ذهبوا إلى ألمانيا واليابان وإيطاليا بحثاً عن زبائن وأعضاء بالمئات والآلاف، فعندنا أعضاء محتملون، بل مؤكدون بالملايين سيشاركونهم في حفلة الضحك حتى وإن لم يتسلموا دعوات إليها، كل ذلك لإبعاد الأجواء المشؤومة ويا رب سترك.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.