عبد الحميد أحمد

عشانا عليك يا رب

حين زار شامير أمريكا مؤخراً لكسب تأييد اليهود الأمريكيين ولجمع ما يمكنه من تبرعات، التقى بشحاذ في واشنطن، فألقى له دولاراً، لكن الشحاذ أعاد الدولار لشامير قائلاً: لا آخذ صدقة من رفاق المهنة.

وسواء كانت هذه الحكاية نكتة أم حقيقة، فإن الشحاذ الأمريكي الذي ربما يدفع ضرائب للحكومة عن دخله من التسول، يعرف أن إسرائيل طوال عمرها تعيش على المساعدات الأمريكية الحكومية، وعلى الشحاتة من المؤسسات الأهلية، خاصة من الرأسماليين اليهود الذين يسيطرون على عجلة الاقتصاد والمال بالقارة.

وجاء في دراسة أمريكية متخصصة نشرت مؤخراً أن الحكومة الأمريكية ستوفر ٧٥ مليار دولار في العقد المقبل، أي ما يعادل ٧.٥ مليارات دولار سنوياً، في حال التوصل إلى سلام في الشرق الأوسط وانتهاء الأزمة.

ومعروف أن غالبية هذه مساعدات اقتصادية لإسرائيل وحوالي ١٥ ملياراً أخرى تمنح لها بصورة مساعدات عسكرية. وترى الدراسة أن هذه المبالغ تفوق إجمالي ما وفرته الولايات المتحدة على إثر انتهاء الحرب الباردة وبين الذي كان اتحاداً سوفييتياً.

غير أن هذا لا يعني أن أمريكا تريد سلاماً في الشرق الأوسط لكي تتخلص من هذا العبء الاقتصادي الذي تشكله إسرائيل عليها، وإن كان الوضع الاقتصادي الأمريكي الذي يعاني من مشكلات له دور، لأن السلام أصبح مطلب الجميع، من عرب وغيرهم، بما في ذلك إسرائيل نفسها، بفارق أنها تريد ضمان تدفق المساعدات، التي تشكل وقوداً لها ولوجودها، ولهذا فإن إسرائيل عينها على المحادثات متعددة الأطراف أكثر من المحادثات الثنائية، على عكس العرب، فعبر تلك ستضمن تسويق مشاريعها وستضمن مستقبلها الاقتصادي والسياسي معاً.

بذلك تتحول إسرائيل من شحاذ يعتمد على فاعل خير واحد، إلى شحاذ يعتمد على عدد من فاعلي الخير، فمن أوروبا واليابان وغيرهما تريد الأموال لمشاريعها التي تخططها لنا، ومنا تريد المياه والبترول، وربما الأسواق لبضائعها، وبما أنها تعاني حالياً من عجزها عن إيجاد أعمال مناسبة للمهاجرين اليهود، حتى بدأ هؤلاء يفرون منها ويطلبون اللجوء إلى عدد من دول أوروبا فإننا لا نستبعد أن تطلب إسرائيل وضمن صفقات السلام وعلى طريقة صفقاتها المعهودة، أن نجد أعمالاً لهؤلاء وأن ننزلهم في فنادق سبع نجوم حتى نوفر السكن الملائم لهم.

وبما أنه من المفترض أن تبدأ اليوم جولة أخرى من المحادثات في واشنطن بين الوفود العربية والوفود الإسرائيلية، فإن من المتوقع، وعلى ضوء استمرار الموقف الإسرائيلي على حاله، والقائل بالسلام مقابل السلام، ومفيش حاجة اسمها أرض، أن تكون هذه الجولة كسابقتها، خلافات على مسائل إجرائية وشكلية وابتعاد عن بحث القضايا الجوهرية، فتنتهي مثلما ينتهي أي حوار طرشان.

وسيبقى على أمريكا هذه المرة أن تتدخل فعلاً، لأن التقدم في مفاوضات السلام سيجعلها تتخلص من شحاذ لا يكف عن مد يده إليها، والمناداة بأعلى صوت «عشانا عليك يا رب» ولو حدث وتقدمت مفاوضات السلام فقد يوافق شحاذ واشنطن على استلام الدولار من شامير بعد أن يكون هذا الأخير قد حوّل مجال أعماله ونشاطه إلينا، ونحن كما تعرفون مش ناقصنا!

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.