سمعت أن في بعض مجتمعاتنا العربية كانوا يسمون مرضاً غريباً لا علاج له «سُل الغواني» يعزلون فيه المريض بحيث لا يحتك أحد به، ويتم وضع الطعام له من تحت الباب، إلى أن يموت.
وعلى حسب من سمعت منهم هذا الكلام، فإن «سُل الغواني» عندهم هو الإيدز الحالي، حيث إن الأعراض تتشابه ومصير المصاب يتشابه.
ونستكمل اليوم كلامنا عن الإيدز، فنقول إنه إذا كانت المجتمعات الغربية التي فيها ما فيها من رقابة صحية فعّالة وتشديد في دخول الزائرين إليها ومحاربة ضارية للمخدرات، وإعلام لا يتوقف عن التحذير والتنبيه، وتربية سلوكية مبكرة للنشء، ورغم ذلك فإن الإيدز يواصل تقدمه وفتكه بالضحايا فماذا يكون حال العالم الثالث ونحن منه؟
يحذر العلماء والأطباء ومنظمات الصحة العالمية من أنه في العام ٢٠٠٠ سيحصد الإيدز ٤٠ مليون ضحية، ويقولون إن أكثر ضحاياه سيكونون من قارة أفريقيا، ومن العالم الثالث، وإن دول هذه المناطق ستجد نفسها في وضع صعب، حيث لن يستطيع بعضها حتى شراء العلاج والأدوية اللازمة للمرض عند اكتشاف مثل هذا العلاج، لأنه سيكون مرتفع الثمن.
لذا، فإن العالم الثالث ليس أمامه إلا العمل من الآن، بالشعار الصحي الذهبي: درهم وقاية خير من قنطار علاج، لكن حتى هذا الشعار يبدو بعيد المنال في حالتنا نحن.
فنحن أكثر البلدان انفتاحاً، وفي مجتمعنا خليط من كافة الأجناس، وهناك أعداد كبيرة تدخل البلد يومياً وتغادره بلا أدنى رقابة صحية، وفيما عدا المقيمين الذين يتم فحصهم، فإن الآخرين، خاصة أصحاب تأشيرات الزيارة وتأشيرات الترانزيت خارج أي رقابة صحية.
ثم إن نظام البطاقة الصحية المصاحبة كشرط لتأشيرة الإقامة، فيه ما فيه من قصور وثغرات، منها أن فترة شهر لاستخراج هذه البطاقة طويلة وتكفي لنشر أي مرض في المجتمع، كما أن نظام الإبعاد لايزال قاصراً، حيث إن ملاحقة الهاربين من كفلائهم وضبطهم غير فعّالة، إضافة إلى أن التأشيرات الجماعية المسنودة كثيراً ما تفلت من الرقابة الصحية بدمغة «لائق صحياً» التي يدمغها موظف في العمل، دون أن يخضع العمال لفحص طبي.
ونضيف إلى ذلك أن جهاز الطب الوقائي عندنا يقف عاجزاً عن العمل لأسباب تتعلق به من ناحية، ولأسباب تتعلق بجهات أخرى من جهة ثانية، وكل ذلك يعني فعلاً، أننا عاجزون عن وقاية مجتمعنا من هذا المرض، أو أننا لم ننتبه بعد إلى خطورته، والأصح أننا نتجاهله وندفن رأسنا في الرمال.
وبما أن مواطنينا قلة، أربعة خمسة مفلعة على حسب ما نقول شعبياً، فإن انتشار مرض مثل الإيدز بيننا كفيل بمسحهم من الوجود، قبل أن يكتشف العلم له علاجاً، لذا، فإن الوقاية هي خير ما نملك من حلول الآن، وهذه لا تتم إلا بخطة شاملة على المستوى الوطني تتضافر فيها جهود الإعلام، مع جهود التربية والتعليم، مع جهود الأمن والهجرة والعمل، إضافة إلى جهود الصحة والطب طبعاً، والمواطنين أنفسهم في المقدمة.
أما كيف يتم وضع الخطة وماهيتها، وطريقة تنفيذها، فذلك ليس من اختصاصنا، بل هو من اختصاص الجهات المعنية التي من الممكن أن تدعو لاجتماع عمل، تتداول فيه كيفية حماية مجتمعنا من طاعون العصر، أو من «سُل الغواني» الذي لم يعد يفرق بين غانية أو رجل أو طفل، لكن قبل ذلك فإن الخطوة الصحيحة الأولى هي الاعتراف به، وعدم إدارة الظهر له، خوفاً أو حياءً أو تستراً، مثلما فعلت ١٦٣ دولة في العالم حتى الآن حين أقرت بوجوده فيها بشجاعة.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.