الذين قالوا إن عام ٩٢ سيكون هادئاً، ولن نشهد خلاله أحداثاً ضخمة كالتي شهدناها خلال الأعوام الثلاثة أو الأربعة الماضية على حق، وصرت شخصياً أميل معهم إلى هذا الرأي، خاصة أن العراقيين لم يقولوا كثيراً عما يتوقعونه، بعد أن أصابتهم الأحداث السريعة بالصعقة وقلبت موازينهم وحساباتهم رأساً على عقب.
إلا أنني على خلاف ذلك أقول إن العام الحالي سيكون عام تقدم الحيوانات وازدهارها، فالبشر المتعبون سيرتاحون، وسيحولون اهتمامهم إلى رفقائهم على الكرة الأرضية، من بقر وحمير وقرود وقطط وكلاب، وغيرها من ذوات الأربع، وعندي على ذلك دليل.
فمنذ بدأ العام وحوالي ربع أخبار العالم تدور عن الحيوانات، أو أن أبطالها حيوانات، والمتوقع أن تزيد كمية هذه الأخبار، حتى يأتي اليوم الذي تصبح فيه مانشيتات كبريات الصحف على النحو التالي: بقر هولندا يحتج على اختيار بقرة أمريكية ملكة لجمال البقر ويطعن في قرار لجنة التحكيم، أو: أفيال أفريقيا تطالب بالمساواة والمعاملة بالمثل مع أفيال الهند، أو: اتحاد الدجاج العالمي يدعو أعضاءه للإضراب عن البيض لتدهور أسعار منتجاته.
وندخل في الموضوع فنورد بسرعة بعض ما قرأناه من بعض مما نشر من هذه الأخبار، وعلى رأسها فوز بقرة في إحدى الولايات الأمريكية بلقب ملكة جمال البقر في تلك الولاية، وفي هذا الخبر ما يكفي لاستفزاز نساء العالم الجميلات ممن توجن حتى الآن ملكات جمال على عروض بنات أوطانهن، أو على عرش نساء العالم.
وعلى الرغم من أن الخبر لم يذكر لنا ما هي مواصفات هذه البقرة، ملكة الحسان البقراوات، إلا أنني تصورت أنها منحت هذا اللقب لأن ضرعها يملأ خمسين سطلاً من الحليب يومياً، وأن عينيها واسعتان وكل واحدة منهما في حجم الأطباق التي يضعها الأمريكان فوق منازلهم أو في حدائقهم لالتقاط الــ «سي. ان. ان» والــ «إن. بي. سي»، وأن خصرها لا تكفيه لفة ورق حمامات واحدة لتطويقه، وأن خوارها من العذوبة بما يكفي لإرسال محبي مايكل جاكسون ومادونا إلى النوم من أول همسة.
ومن البقرة الحسناء إلى البقرة صاحبة الكيف، التي التهمت عدة كيلوجرامات من الكوكايين دفعة واحدة، فانسطلت ثم نفقت، وإذا علمنا أن هذه البقرة مكسيكية، أي من البلدان التي تعاني من متاعب اقتصادية لا حد لها، وتعاني من الجوع، تزول عنا كل حيرة لتصرفها، فهي أرادت الانبساط قبل أن تموت لتسجل كأول بقرة تموت ضاحكة، ومن الهم ما يقتل ويضحك أيضاً.
وعلى خلاف بقر أمريكا المدلل، ومثل بقر المكسيك الغلبان، قرأنا عن نمر روسيا الجائع، الذي تسبب تحرير الأسعار، وغلاؤها الفاحش في حرمانه من الأكل لخمسة أيام، فما كان منه إلا الانقضاض على وليمة دسمة وشهية، حين التهم حارسته بعد أن أفلت من قفصه وهو يقول ليلتسين: اعطني لحمتي أطلق يديا.
وبإمكاننا أن نكمل بقية القصص، مثل حكاية القرد الأمريكي كامبولا الذي نقل من حديقة إلى أخرى لكي يتعلم الرومانسية والغزل على أيدي بنات جنسه، أو مثل قطط وكلاب أمريكا التي ستحظى ابتداءً من هذا العام بتأمين صحي عليها، غير أننا نكتفي اليوم بهذا القدر لنقول لمن لم يفهم بعد معنى النظام العالمي الجديد، إن تباشيره وملامحه يمكن معرفتها من حيوانات الدول. ومدى تقدم هذه الحيوانات وازدهارها، مقارنة بأخرى بائسة جوعانة غلبانة، لم تصلها بعد رائحة هذا النظام، ولا حتى رائحة العظام.
ولا شك أن هذه الأخيرة تتمنى لو أنها ولدت هناك، مثلما يتمنى الكثير من البشر ذلك أيضاً، لكن الدنيا حظوظ، والرزق مقسوم، والمكتوب على الجبين لازم تشوفه العين، ومثلما على البشر الغلبانين الجوعانين أن يرضوا بمصيرهم، على الحيوانات أيضاً أن تقبل بذلك، وإلا فليس أمامها غير الكوكايين والهيروين لكي تنسى وتموت من الضحك.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.