عبد الحميد أحمد

اللعب بالذيل

يقولون إن الرجال يكونون حمقى عندما يتزوجون النساء، لكن المشكلة هي أن الرجال ليس لديهم غير النساء ليتزوجوه.

وقد فرحت أمس حين قرأت أن ياسر عرفات تزوج، فهو مثل كل الرجال لا مفر أمامه من ارتكاب هذه الحماقة، غير أن فرحي في حالة عرفات كان مضاعفاً، ذلك لأنه تزوج للمرة الثانية على زوجته الأولى المدعوة قضية، وهذه المرة تزوج من امرأة حقيقية من لحم ودم، وعندها ما عند كل النساء من أدوات وأساليب ومغريات، وسطوة أيضاً وجبروت، تكفي لإشغال أي رجل صنديد عن أي قضية.

وفي حالة عرفات، أعتقد أنه لم يكن ليخطو مثل هذه الخطوة الشجاعة لو لم يعرف أن زوجته الأولى قضية لم تعد تنفعه، بل لم تعد ملكه وحده، بعد أن ضاعت بين العواصم والمدن والمؤتمرات والحروب والمزايدات والتجارة، فقال لنفسه: يا رجل اعقل والحق عمرك، قبل أن تطلب «قضية» الطلاق منك أمام المحاكم خاصة وأن العصمة بيدها فتكون فضيحة بجلاجل.

ثم إن في زواج عرفات رحمة بالمسكينة قضية التي شافت الويل والذل طوال عدة عشرات من السنين، فعلى الأقل سيجد زوجها القديم الختيار قضية أهم تشغله ليل نهار، خاصة أن زوجته الثانية كما قال الخبر اقتصادية تعرف كيف تدير الممتلكات باقتدار وحكمة.

ونترك عرفات في حاله ليهنأ بشهر عسله مع قضيته الجديدة، التي نعتقد أنه سيجدها أحلى وأجمل من قضيته الأولى، التي سببت له دواخ الرأس وشيب الشعر بلا طائل، ونذهب إلى أمريكا، حيث يجد الرجل هناك أن مصائبه أصلحها ثلاث: النساء والمال والسياسة، مع أن هذه الأصول الثلاثة هي قلب مشكلات كل رجل حتى في زيمبابوي وموزمبيق وبلاد تركب أفيال.

لكن النساء في أمريكا يتفوقن على غيرهن في كثرة ما يتسببن في خلق مشكلات وفضائح للرجال، وتحديداً لرجال السياسة والصفوة وعلية القوم، حين يسعين هناك إلى محفظة الرجل وإلى سلطته ونفوذه، أو يتحولن إلى جزء من لعبة السياسة والصراعات الحزبية على السلطة، وهو ما يميزهن أكثر عن غيرهن، لأن الجري وراء المحافظ المنتفخة ثبت أنه طبع نساء كل العالم وليس نساء أمريكا وحدهن. وهكذا نقرأ من أمريكا، ومع اقتراب كل دورة انتخابية رئاسية أو برلمانية أخبار فضائح الساسة وكبار المسؤولين، فبعد قضية القاضي توماس، تابعنا قضية كيندي الصغير، ثم أخيراً فضيحة المرشح الديمقراطي كلينتون التي اعترضت طريقه فتاة الملهى الفاتنة فلاورز.

ومثلما طلع توماس وكيندي من الدوامة كالشعرة من العجين براءة من أحابيل النساء، يبدو أن كلينتون سينجح هو الآخر في إخماد فتنة ملكة الجمال السابقة فلاورز التي ادعت وجود علاقة سرية تربطه بها، لكن هذا الخطر النسائي قض مضاجع رجال أمريكا، مما حدا بهم مؤخراً لعقد مؤتمر في جامعة كولورادو لإعادة التفكير في نظرة المجتمع للرجال. وقال رئيس المؤتمر إن هذا أصعب وقت يمر على الرجال في علاقاتهم بالنساء في تاريخ أمريكا.

ولم نعرف بعد نتائج هذا المؤتمر ولا القرارات الذكورية الخطيرة التي اتخذت فيه لدرء مخاطر نساء أمريكا التي تتهدد الرجال، بعد أن طال لسانهن أكثر مما ينبغي، حتى صار الرجل هناك العوبة في يدهن، مما جعل هؤلاء بالمقابل يلعبون بذيولهم بعيداً عن رادارات حريمهم وقرون استشعارهن.

وبمناسبة اللعب بالذيل، فإننا في الوطن العربي أساتذة في هذا الفن، ولو طال لسان النساء عندنا، لكن عند الواحد منا ألف قضية وقضية، مما يتجاوز خطرها وآثارها قضية عرفات الأولى، لو تجرأ وفتح فمه، لكان مصير لسانه القص بالسكين والمنشار… الكهربائي. وكم تمنيت لو أن رجال أمريكا دعوا بعضنا لحضور مؤتمرهم من أجل تبادل الخبرات والتعرف على مهاراتنا طويلة الباع، لكن خيرها في غيرها يا رجال أمريكا.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.