مثلما طلع «مارادونا» وهو نجم رياضي عالمي، شمام وصاحب كيف ومعلم مخدرات وكوكايين، طلع «مايك تايسون» وهو نجم آخر، ذئب آدمي وابن شوارع وتربية حواري.
ثم إن تايسون بعد أن أدانته المحكمة بالاغتصاب وبالسلوك المنحرف، تبين أن لائحة سوابقه سوداء مثل القطران والزفت، فيها قائمة طويلة لا تشرف الرياضة والرياضيين، من سوء السلوك مثل الشتم وضرب عمال وموظفين ومشاجرات ومضايقة النساء، حتى زوجته لم تسلم من قبضة يده وعنفه، بعد أن استخدم هذا الملاكم عضلاته وقبضات يده خارج الحلبة لنزواته وغزواته وانحرافاته.
وسجل الرياضة العالمي، مثلما فيه رياضيون شرفوا بلدانهم واللعبة التي ينتمون إليها فيه قائمة طويلة أخرى من الرياضيين الذين لوثوا سمعتهم وسمعة أوطانهم ولعباتهم، ودمغوا عالم الرياضة بالانحراف وسوء الأخلاق، فإضافة لمارادونا وتايسون، هز ماجيك جونسون لاعب السلة الأمريكي الشهير مجتمعه ومحبيه الذين أصابهم الذهول والخيبة حين اضطر مؤخراً للاعتراف بإصابته بالإيدز، وجون ماكنرو، لاعب التنس، سجل ما يزيد على بطولاته مخالفات ومشاغبات منها ضربه للحكام وتوجيه الألفاظ النابية لهم. أما لاعبا كرة القدم البريطانيان جورج بست وجاس كوين، فلديهما سجلات عند مراكز الشرطة لمخالفاتهما ومشاغباتهما التي تبدأ في البارات وتنتهي في الشوارع.
في عالم الغرب، يجمع هؤلاء وغيرهم من مشاهير الرياضة والفن، أنهم أبناء شوارع خرجوا من أزقة الفقر، وبضربة حظ، التي هي ضربة قاضية على حلبة الملاكمة، أو ضربة هدف محكم بملعب القدم، أو إصابة محققة في ميدان التنس، تحولوا بين عشية وضحاها إلى مشاهير وأصحاب ملايين، عند الواحد منهم، مساعدون وسكرتارية ومديرون يفوق ما عند دولة مثل الصومال وصاروا نجوماً بفضل الإعلام، خاصة التلفزيون واحتكارات الدعاية والتسويق.
ورأينا كيف أن بيوت وقصور هؤلاء أجمل وأوسع وأكثر رفاهية من بيوت رؤساء دولهم ورؤساء حكوماتهم، غير أن ما عندهم يكاد بشكل آخر يكون عندنا، عندما أحرقت صحافتنا الرياضية لبعض لاعبينا بخور الرياء والألقاب المجانية والبطولات، حتى صار عندنا أسود في الملاعب وراقصو ديسكو وجنرالات، وأضفنا على الصحافة ما نقدمه لهؤلاء من مكافآت مالية وعينية لم تخطر على بال زملائهم السابقين، الذين لا شك يموت بعضهم حسرة الآن، لأنه لم ينل في وقته اليسير مما يناله زملاؤه الآن.
النتيجة ما نراه في الملاعب أحياناً، حين يتحول بعض هؤلاء إلى خيول ترفس الحكام، وإلى نمور تعض اللاعبين، وإلى فنانات تتدلع، تريد هذا المدرب ولا تريد ذاك، وإلى تجار صغار يتمردون على أنديتهم في سبيل نادٍ يدفع أكثر ولو بضعة دراهم. أما خارج الملاعب، فالنتيجة، سهرات ديسكو بالفنادق وصعلكة بالشوارع في سيارات مرسيدس آخر موديل لا يملكها مسؤولون كبار على مستوى وكلاء وزارات ووزراء وسفرات إلى بانكوك، حتى سمعت أن أحدهم فتح مطاعم خليجية هناك، وهذا عندي تاجر شاطر، أكثر من كونه لاعباً شاطراً، وذلك مما يدخل في مفهوم ما خفي أعظم، والله يحب الستارين.
ولو أن عندنا صحافة ورأي عام حر وجريء مثل الذي في الغرب لفاحت فضائح بجلاجل غير أننا كالعادة نحب الستر، ولا نقول هذا الكلام، إلا لأن اللاعب الذي يحظى بالشهرة عليه أن يحترم هذه الشهرة بالانضباط والأخلاق الحميدة، حفاظاً أولاً على سمعته وثانياً على سمعة الرياضة، وثالثاً على سمعة بلده وشباب بلده. إلا أن مثل هذا الكلام، صار الآن دقة قديمة، من اليوم الذي ترك فيه البعض الدراسة مبكراً حين لعب مباراة أو اثنتين فطيرته صحافتنا نجماً إلى جانب الأجرام السماوية، فصار تربية شوارع، لا تربية رياضة وصارت هذه من بركة هؤلاء وإنجازاتهم الأخلاقية، أي شيء، عدا كونها الرياضة التي نعرفها ونحبها.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.