قبل أن نستكمل موضوع الأمس، ونكشف عن السر الآخر الموجود في أصابع النساء، استغل هذه المقدمة لأختلف مع بعض القراء الذين اتصلوا أمس، زاعمين زوراً وبهتاناً، أن نساء العرب يحملن ويكثرن من الأولاد، ليس لأنهن مناضلات كما زعمت أنا أمس، بل من قلة الصنعة والمشغلة، ومن كثرة الفراغ، طبعاً هؤلاء سيجدون من يؤيدهم في زعمهم هذا للنساء ودورهن، وأنا عندي من يؤيدني أيضاً، وبما أننا اختلفنا إلى هذا الحد فمعنى ذلك أننا مازلنا عرباً وأن لدينا ما نختلف عليه، كالعادة دائماً.
وندخل في موضوع اليوم، فنقول إن الغرب، راعي النظام العالمي الجديد ومؤسسه على هواه ومزاجه، يحاول الآن اكتشاف أسرار أصابع سيداتنا وآنساتنا وستاتنا الحلوين، وإبداعات أناملهن الرفيعة التي أثبتت أنها سر بقائنا أحياء حتى الآن، بل سر عافيتنا وصحتنا بدليل كروشنا وإصابتنا بأمراض البدانة لا أمراض النحافة، كالضغط والسكري والذبحة والقرحة من دون خلق الله.
على رأس إبداعات أصابع النساء يحاول الغرب فك طلاسم طبخاتنا وإفشاء أسرارها البيولوجية والكيماوية ومعادلاتها النووية، بعد أن اكتشف أن ما نملكه من هذه الطبخات يفوق مفعولها السحري ما يمكن أن تصنعه فينا قنبلة نووية أو انشطارية وفراغية أو كيماوية، حيث تسيطر على البطون وتجعل العقول مستسلمة لها، أكثر من استسلامها لأي سلاح فتاك آخر موجود في مخازن الغرب، وحليفته الاستراتيجية إسرائيل بدليل الشعب اللبناني، الذي ضرب بكل هذه الأنواع من الأسلحة، لكنه ظل حياً ويقاوم أيضاً بفضل الكبة والتبولة والفتوش.
في هذا السياق كانت ندوة واشنطن العلمية التي عقدت مؤخراً تحت شعار «مطبخ الشرق الأوسط»، حضرها خبراء وطباخون أمريكان، تناولوا أطباقنا وموائدنا بالبحث، وليس بالشوكة والسكين، ورغم أنه لم تتسرب معلومات عن هذه الندوة، أكثر من الخبر، وبما أن مخابراتنا العربية العتيدة لم تصل إليها، فهي مشغولة وما زالت بمتابعة وتحليل المواقف الإسرائيلية وأسرارها، أعانها الله وثبت أقدامها، إلا أنني أرجح أن الأمريكان يسعون لمعرفة وكشف آخر ما نملك من أسرار استراتيجية نحتفظ بها لكي تدخلنا القرن المقبل رافعي الرؤوس ومنتصرين وأقوياء بإذن الله. وحمدت الله، أن أحداً من طباخينا العرب المهرة لم يحضر الندوة وإلا لكانت أسرار تكنولوجيا مطابخنا اليوم في أيدي الأمريكان، ومنهم بالطبع ستصل إلى إسرائيل ولنا أن نتصور خطورة ما يمكن أن يحدث لنا لو حصل هذا لا سمح الله. فأولاً، إسرائيل ستستغل هذه الأسرار الطعامية الخطيرة لمزيد من الابتزاز في مفاوضات السلام، فهي لن تقبل الاشتراك معنا في الجولة المقبلة من المباحثات ما لم نكشف لها عن معادلات أكلاتنا الشعبية، التي هي سر حيويتنا وقوتنا، كالتبولة والملوخية والبرياني والهريس والمفروكة، ثم إنها قد تطالبنا بتفكيك هذه الأسلحة الاستراتيجية، قبل التوصل لأي اتفاق سلام، وربما طلبت من المنظمة الدولية للطاقة النووية مراقبة إنتاجها، باعتبارها خطراً يهدد أمن إسرائيل، والأخطر من ذلك، أن تطالب بشطب بعض الأطباق نهائياً من قائمة طعامنا كالمنسف مثلاً، لأنه إرهابي وله علاقة بالنسف والتفجير، وكالفول العتيد الذي يجعل بطوننا حديداً، تأكل حتى الزلط والحصى عند الضرورة، مثل الحروب أو مثل اختفاء الدجاج واللحوم والخبز الرسمي والشعبي معاً، ويجعلنا نتحمل الصدمات والكدمات الاقتصادية والسياسية وغيرها بأعصاب فولاذ.
ومثلما كنا واثقين أمس أن نساءنا سيقاطعن المنتجات الغربية المصنوعة لنا لوقف الإنتاج السنوي المتزايد من الصواريخ البشرية، فإننا اليوم نأمل منهن الحفاظ على سرية أطباقنا ومطابخنا لأهميتها الاستراتيجية والتكتيكية معاً، فمستقبلنا في أيديهن الحلوة، بعد أن ضيعناه نحن الرجال ودمرناه.
وبما أن رمضان على الأبواب وفيه نفشي أسرار المطابخ ولا نبالي، فإن النساء مدعوات للحذر، من تسلل جواسيس الــ «سي. آي. ايه» والموساد إلى مطابخنا، وربما بعض العملاء العرب أيضاً، لاقتناص معادلات أطعمتنا الفتاكة وتصوير خرائط موائدنا، وفضح معايير ومقادير مخصباتنا النووية والذرية، لذا ننصح من الآن بالتسلح بالشبشب والمكانس والملابس، والله يكون في عونكن يا فتوات ويا مناضلات.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.