يمكن للمرأة أن تكون سبباً في رواج ونجاح الصناعة الوطنية المحلية، كما يمكن لها أيضاً، أن تكون سبباً في كساد ودمار هذه الصناعة.
وهذه الحقيقة تغيب عن البال دائماً، عند الحديث عن الصناعة الوطنية، سواء من الصناعيين أنفسهم، أم من الاقتصاديين الوطنيين الذين يرون ضرورة حماية هذه الصناعة من المنافسة الأجنبية وتقديم العون والدعم لها. وأحاول اليوم بهذا التقديم وبهذه الزاوية الرد على أسئلة واستفسارات عدد من الزملاء الصحافيين وعدد آخر من القراء، الذي سألوني سؤالاً لم يخطر في بالي: لماذا تكتب عن هذه المرأة؟ وقصدهم بالطبع، لماذا أكثر من تناول الموضوعات النسوانية والتعليق عليها. ولهؤلاء، لن أقول لهم إن المرأة نصف المجتمع، لأن هذه الجملة من كثرة
تردادها وتكرارها على الألسنة وفي المقالات فقدت معناها وصارت قولاً شائعاً، بل أقول لهم، إنني أكتب عن المرأة، لأنها الطرف الآخر، الذي نقضي معه حياتنا من المهد إلى اللحد، برضانا أم من غير رضانا. فنحن جميعاً ولدتنا نساء، وربتنا نساء، ثم حين يكبر الواحد منا يختار من بينهن امرأة ليتزوجها، لتهتم به ولكي تربي أبناءه أيضاً، وفي هذا ما يكفي لنكتب عن المرأة، إذا لم يكن أكثر مما نكتب عن الرجل، فليس أقل منه.
ثم إنه من حقنا، مادام الأمر على هذا النحو، أن ننتقد المرأة أيضاً، وأن نتحدث عن أخطائها ومساوئها وأن نكشف المظاهر الخاطئة والسلوكيات غير الصحيحة، التي قد تقع فيها، حالها في ذلك حال الرجل، طالما أن هذه الأخطاء والسلوكيات يقع ضررها على آخرين في المجتمع وأولهم الأولاد والأطفال، الذين نضعهم أمانة عند المرأة لرعايتهم وتربيتهم، وفي هذا يمكننا أن نقول إن المستقبل كله تصنعه هذه المرأة، لولا أنني اليوم لا أريد إثارة أعداء المرأة والمقللين من شأنها ودورها. ونعود إلى ما بدأنا به، لندلل على أهمية ما يمكن أن تبنيه المرأة أو تساهم في بنائه، أو تعمل على تخريبه، إذا لم يتوفر عندها الوعي الصحيح بأهمية كيانها ودورها، ولذلك فنحن نعمل اليوم المرأة جنباً إلى جنب الرجل، ليس لأننا نريدها أن تعمل معه في الدوائر والمؤسسات والشركات وحسب، بل لأن المرأة المتعلمة عندنا خير من غير المتعلمة، في فهم رسالتها نحو مجتمعها. غير أن الطامة الكبرى، هو أن كثيراً من المتعلمات لم يفهمن بعد هذه الرسالة، ولا يمكننا أن نلقي باللوم كله في ذلك عليهن وحدهن، لأنه لا تزال عندنا نظرة قاصرة نحو المرأة، متعلمة أو غير متعلمة.
وقد قرأت في بحث نشر بإحدى الصحف العربية يرصد سلوك المستهلكين في إحدى دول الخليج، أن إقبال أصحاب السن الأكبر، ممن هم عادة لم يحظوا بنصيب وافر من التعليم، على شراء السلع الوطنية يفوق إقبال صغار السن، وكلما زاد مستوى التعليم قل الإقبال على المنتجات الوطنية، حيث تميل النساء الأكثر تعليماً إلى تبني المظاهر الاجتماعية التي تفضل السلع المستوردة على السلع المنتجة محلياً والوطنية. وتعرفون أن مسؤولية مشتروات كل بيت من المواد الاستهلاكية تقع ٨٠٪ منها على النساء، على أقل تقدير، فهن رواد الأسواق وزبائن المحلات، وفي سلوكهن التسويقي، بين الإسراف والاقتصاد، وبين البذخ والاعتدال، تكمن مفاهيم تربوية تنتقل لطفلها ولبنتها، كما تكمن أيضاً قوة اقتصادية غير منظورة.
ومهمتنا نحن الصحافيين، مثلما نتحدث عن الصناعة الوطنية، على سبيل المثال، ونطالب بدعمها، كونها جزءاً من الاقتصاد الوطني والدخل القومي، فإن مهمتنا كذلك مطاردة أوجه الخلل التي قد تعترض ما نحلم به مجتمعين، سواء أكان هذا الخلل عند مؤسسات ودوائر، أم عند أفراد، وعلى رأسهم تأتي المرأة، بحكم كونها أداة إنتاج لقيم ولمفاهيم ولسلوكيات. ولعل فيما ذكرنا ما يكفي للإجابة عن أسئلة تدور حول كثرة الكتابة عن المرأة، التي يتجاوز تأثيرها حدود بيتها، ليصل إلى حد التأثير على الصناعة الوطنية ودعمها، وبالتالي الاقتصاد الوطني كله، وليس الاقتصاد المنزلي وحسب، فبيديها خرابهما، أو نجاحهما.
ورمضان على الأبواب، وفيه اختبار لكل امرأة واعية لا ترى مثل غيرها أن الطريق إلى قلب الرجل يمر بمعدته!
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.