عبد الحميد أحمد

أعياد عربية

قرأت أن عند اليهود عيداً يسمونه عيد المسخرة، وعجبت كيف لا يكون عندنا في الوطن العربي أعياد، لا عيد واحد، للمسخرة، بعد أن صارت أوضاعنا لا يعلى عليها في فن المسخرة، ولا ينافسها إلا مسرحية مدرسة المشاغبين وحمري جمري.

ولم أفهم مسخرة اليهود حتى قرأت الخبر الذي جاء فيه أن رئيس حزب موليديت المتطرف وقع ضحية خبر كاذب نشر على سبيل المزاح في عيد المسخرة هذا، جاء فيه أن زوجة ياسر عرفات سهى الطويل ستزور أهلها في رام الله، فما كان من هذا الصهيوني إلا أن شحذ أنيابه وهو يطلب من وزير الحرب منع زوجة الإرهابي عرفات من الدخول إلى إسرائيل.

وعلى هذا فإن عيد المسخرة اليهودي هو مثل كذبة إبريل، أي أنه مزاح يقوم على الكذب، ولو أردنا أن يكون عندنا عيد مشابه للكذب، لكانت أيامنا كلها أعياد.

وأول عيد لنا هو عيد البطاطا والبطيخ والطماطم والفول، وكافة المواد الغذائية التي حققنا الاكتفاء الذاتي منها، حتى صرنا نصدر الباقي إلى بقاع الأرض، وأحياناً نرمي بالزائد من الغلال في البحر لكي نحافظ على أسعار بطاطنا وطماطمنا وفولنا وعدسنا.

وثاني عيد هو يوم الدينار العربي الموحد، أو الجنيه أو الدرهم الذي يحمله المواطن في الكويت ويذهب به إلى موريتانيا ليصرفه هناك دون حاجة إلى الدولار أو الاسترليني أو المارك.

وثالث عيد هو يوم التصنيع العربي، ففي سنة نحتفل بمولد أول ثلاجة أصيلة أباً عن جد، وفي سنة أخرى نحتفل فيه بإنتاج أول دبابة عربية أو مدفع رشاش، أو حتى أم سجبة لصيد الفئران والطياطير.

أما السلاح النووي، فلن نحتفل به ولن يكون له يوم عندنا، لأننا أول الملتزمين بمعاهدات الحد من التسليح والراضخين لها حتى قبل أن يطلب منا ذلك.

ورابع عيد هو إقامة نصب تذكاري عملاق لآخر أمي في الوطن العربي، يتعلم فك الخط وقراءة إعلانات ومراسيم الحكومة، وتصريحات قادته بناة النهضة الحديثة، وخامس عيد هو الاحتفال بانتهاء البلهارسيا وشلل الأطفال والسعال الديكي وفقر الدم في أطفالنا وفينا أيضاً، وفي هذا العيد نحتفي بالطفل السمين ذي الخدود التي تشبه التفاح، تفاحنا طبعاً، وسادس عيد هو عيد المسكن العربي، حيث كل مواطن له بيت مكتوب باسمه وهو في بطن أمه، دليل نجاحنا على التخطيط للمستقبل بشكل علمي واقتصادي مدروس.

وسابع عيد هو يوم الاستقلال، وهو اليوم الذي يغادر بلادنا خبراء البنك الدولي للتعمير وصندوق النقد، وهذا اليوم يكتمل ويكون عيداً بصحيح لأننا نحتفل فيه بالدولة الفلسطينية المستقلة على أراضيها ويوم يعود اللاجئون إليها ونعود معهم لكي نشاركهم العمران والبناء وتعود سهى الطويل وغيرها إلى قراهم دون أن يحتج عليهم يهودي حتى لو كان احتجاجاً في عيد المسخرة.

وعيد الأعياد هو عيد الجامعة العربية، التي نحتفل بانتهاء دورها ووجودها لأن الوحدة العربية قامت ولم يعد للجامعة من ضرورة، لأنها تشكل ذكرى مؤلمة حيث كنا نتشاتم في أروقتها ونتسابب تحت أسقف قاعاتها وكانت تفرق أكثر مما تجمع وتأخذ أكثر مما تعطي.

ولو أن عندنا مثل هذه الأعياد، لما تجرأت أمريكا وفرنسا وبريطانيا والأمم المتحدة على الاستفراد بدولة عربية مثل ليبيا لإركاعها وضربها فلقة بالصواريخ والطائرات، أو تجرأت إسرائيل ورفضت تسليم الحقوق لأهلها، غير أننا مشغولون دائماً بعظائم الأمور عن مثل هذه الترهات والخزعبلات والمسخرة والأكاذيب أيضاً، حتى لم يعد عندنا إلا عيد واحد دائم هو عيد النوم، ومثله عيد الأكل، وتلك هي أيام العرب الخالدة.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.