عبد الحميد أحمد

جامعات للفول

لو كنا في الإمارات بحاجة إلى طباخين مهرة معاصرين من حملة الشهادات العالية، لنصحت إخواني الطلبة الذين سينتهون هذا العام من الثانوية بالانضمام إلى جامعة الهامبورجر في شيكاغو.

وجامعة الهامبورجر هذه، مركز للتدريب يتبع لشركة ماكدونالد، حيث يتم فيه تدريب العاملين والمديرين والموظفين الأجانب العاملين بالشركة في سلسلة مطاعمها عبر البحار، على طريقة صنع الهامبورجر وإعداده ولفه، وأسلوب تقديمه للزبائن، وكيفية إدارة هذه المطاعم والحفاظ على جودة خدمتها، وسمعتها وانتشارها.

وعلى خطى زميلتها الكوكاكولا التي أصبحت اليوم لضخامتها دلوعة سوق البورصة في وول ستريت، فإن الماكدونالد لديها خطط جديدة للتوسع خارج الولايات المتحدة، للوصول إلى كل بقعة في الأرض، من الصين وسنغافورة ودول العالم الثالث، مروراً بجمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً وحتى دول أوروبا الشرقية، ووصل عدد ما تمتلكه الشركة من مطاعم حتى نهاية العام الماضي ١٢٤١٨ مطعماً منتشرة في ٦٠ دولة يساعدها على هذا الانتشار السريع، ليس فقط إدارتها وحجم أموالها، بل الدعاية الضخمة، التي تروج لها، حالها في ذلك حال الكوكاكولا وغيرها من الشركات العملاقة، ثم إن رعاية الماكدونالد لكأس العالم لكرة القدم المقبلة ستضمن لها دعاية بين أوساط الملايين من شعوب الأرض، وتعرفون أن الماكدونالد اليوم صارت سمة من سمات الثقافة الأمريكية الاستهلاكية التي تغزو العالم، وتحمل مفاهيم العصر الأمريكي.

ولا أريد من هذا الكلام اليوم أن أساهم في الترويج والدعاية لهذه الشركة، خاصة أنني من الذين لا يطيقون طعم الهامبورجر، وأفضل عليه الطعمية والفول، غير أن أي مقال نقرأه عن مثل هذه الشركات يثير فينا التساؤل عن استثماراتنا العربية في الخارج وفي الوطن العربي، التي لا تزال تبتعد عن الدخول في مشروعات صناعية أو زراعية أو حتى خدماتية ضخمة، وتكتفي بالتطفل على البنوك الأجنبية وهي ترتاح فيها لتقبض آخر العام الفوائد، وكفى المؤمنين شر القتال.

ثم إن استثماراتنا العربية، إذا تجاوزت كونها ودائع ثابتة في البنوك الأجنبية، فإنها لا تشارك إلا في شراء فنادق أو عقارات في أحسن الأحوال، وإذا زادت عن ذلك، فإنها تستثمر في الكازينوهات والملاهي، ولم تدخل بعد في مشروعات إنتاجية مهمة خاصة في الوطن العربي لكي تستفيد منها شعوبنا.

وبما أننا لم ننجح بعد في استثمار الأموال العربية في مشاريع حيوية ثقيلة بالوطن العربي كصناعة السيارات والتلفزيونات والثلاجات وغيرها، ومادام أن ماكدونالد والكوكاكولا والكنتاكي وغيرها، من شركات الأغذية العالمية تفتح مطاعم وتستثمر أموالها في الوطن العربي وتربح من وراء بطوننا، فإننا نفضل أن تذهب أرباح بطوننا هذه إلى رؤوس أموالنا العربية، لو أن هذه الأموال اشترك بعضها في إقامة شركات أغذية عربية، تبيع الفول والفلافل والسمبوسة في مطاعم أنيقة وفخمة كمطاعم ماكدونالد، نطلق عليها أسماء مودرن مثل فولكو آرابيا، أو طعميا ايسترن، وبهذا نستطيع أن نغزو العالم بثقافتنا وطعامنا كما يغزونا العالم الآن.

ولو أن هذا حصل، بعد أن يمتلك رجال الأعمال العرب الشجاعة الكافية للمغامرة، فإنني لن أتردد في نصح شبابنا بالانضمام إلى جامعات الفول والفلافل، التي ستكون تابعة لهذه الشركات العربية العملاقة والتي ستخرج ما نحتاجه من طاقات ماهرة وأجيال صاعدة من الفوالين والفلافلجية، الذين على أيديهم سنستعيد أمجادنا وراء البحار بعد أن فقدنا كل شيء على أيدي القبضايات والزعامات ومعهم التجار ورجال الأعمال والله يكثر ويزيد.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.