يبدو أن شبابنا متلهفون على الزواج وما عندهم صبر أكثر مما صبروا، وقد عكس هذا التلهف مكالمتهم الهاتفية أمس لصاحب هذه الزاوية، يسألون عن موعد بدء صندوق الزواج وأعماله. وأحد السائلين قال إنه كان يخطط للسفر هذا الصيف إلى بلد عربي للزواج من هناك، ثم قرر العدول عن خططه والتريث بعد أن سمع بموافقة مجلس الوزراء على مشروع صندوق الزواج، ولما سألته: إلى هذه الدرجة تنتظر الزواج؟ أجاب باختصار: على أحر من الجمر.
لكنه سرعان ما بدأ يشتكي مطالب بنت الإمارات ليوم فرحها، لهذا كان تفكيره يتجه إلى الاقتران بفتاة عربية، ولم أجد نصيحة أسديها له من بعد تشجيعه بالطبع على الزواج من مواطنة، خيراً من البحث عن فتاة خرساء، بحيث لا يمكنها الاستماع إلى كلام أمها وصديقاتها وقريباتها، فتقرر هي ما تريد، لا ما يريد أهلها وصديقاتها، الراكضات وراء المظاهر والمخاسير التي تورث الندم في مستقبل الحياة الزوجية.
وبما أن هؤلاء الشباب مستعجلون على الزواج إلى هذه الدرجة، ووجدوا في الصندوق حلاً لمشكلاتهم خاصة مشكلة انتظار بنت الحلال، فقد بقي على الجهات المعنية الإسراع في تنفيذ هذا المشروع، لكي يكمل إخواننا نصف دينهم طالما أن الله هداهم إلى الطريق الصحيح.
ثم علينا ألا ننسى أن زواج هؤلاء السريع حتى لو كان بعضهم في مقتبل عمره، يعني زيادة نسبة المواطنين في المجتمع والمساهمة قطعاً في معالجة خلل التركيبة السكانية عن طريق رفع معدلات الولادة بين أبناء الوطن، لهذا فقد اقترح أحد الشباب أمس بأن ترفع الدولة بدل الولد على رواتب الموظفين، بحيث يزيد عن المبلغ الشهري الحالي، تشجيعاً لهم على الإنجاب، وهذا يعني أن الجماعة الذين صاموا دهراً على نية أكيدة في المساهمة بهذا الجهد الوطني، عن طريق عدم الاكتفاء بولد كل خمسة أعوام، بل بولد كل عام أو أقل إن أمكن طبعاً.
غير أن تنفيذ مثل هذه الخطة الوطنية الطموحة تعتمد على مدى استعداد زوجات المستقبل في تحمل غلاسة هؤلاء الأزواج المحتملين والمتلهفين للخلفة والإنجاب، وبالتالي تحمل آلام الحمل والوضع كل عام، ثم متاعب التربية والتنشئة، ولو أنهن أبدين هذا الاستعداد عن طيب خاطر وعن وعي بأهمية تفريخ المواطنين ورفد المجتمع بهم، لحق لهن على الدولة رواتب شهرية ثابتة عن هذه الأعمال الشاقة، علاوة على تزويد كل واحدة منهن بمربية وشغالة على نفقة الدولة.
أما أم محمد وهي ربة بيت شابة، فقد اتصلت تعتب على النصائح التي قدمناها أمس للشباب الراغبين في الزواج، حيث فهمت منها أننا ندعوهم إلى تجنب مغامرة الزواج وبلاويه، وإثباط همم الشباب بمثل هذه النصائح التي تصور لهم الحياة الزوجية على أنها نكد وهم وحبس ومشكلات تقصر العمر إن لم تقصفه قصفاً.
غير أننا نقول اليوم لأم محمد إننا إضافة إلى أننا كنا نمازح هؤلاء أمس ليس إلا، أردنا أيضاً أن يفهموا أن الحياة الزوجية ليست مجرد أحلام جميلة نبنيها في الهواء، وإنما هي مسؤولية ومشاركة، وهموم ومشكلات أيضاً، لكي لا يضع الواحد منهم قدميه طائعاً مختاراً في القفص الذهبي، وهو يتوهم أن حياته كلها مع شريكته ستكون عسلاً في عسل، إذ لابد من البصل أيضاً وإن أحرق وأسال الدمع بلا انقطاع.
وعن قناعتي الشخصية حول الزواج، أجيبها بأنني على قناعة تامة وأبصم على ذلك بالعشرة، بأن الزواج، شر لابد منه، وأضيف لذلك، إننا نحن المتزوجين المخضرمين إنما تلقينا بقية تربيتنا على أيدي زوجاتنا، من بعد أمهاتنا، مما يجعلني أؤكد أن الرجل منا، وإن بلغ أعلى المراتب، هو في النهاية تربية حريم، من المهد إلى اللحد.
وكل هذا الكلام يعلي من شأن المرأة ويرفع مقدارها وإن مازحناها بين حين وآخر ببعض الطرائف واللطائف من التي تخفف عنا وعنهن أعباء العمل والحياة.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.