عبد الحميد أحمد

أطباء ومرضى

في بريطانيا كشفت الصدفة مؤخراً عن طبيب مشهور يعمل في مجال الطب منذ 30 عاماً، دون أن يدخل كلية طب وبلا أي شهادات.

أما الصدفة فقد كشفها صيدلي أبلغ الشرطة أن هذا الطبيب يكتب روشتات غريبة لمرضاه، فهو يطلب منهم شرب ثلاث ملاعق من الشامبو يومياً، بعد الحمام على ما يبدو، وأن يمسح بعضهم جسده بأحد أدوية الكحة لمدة ستة شهور، وغير ذلك من الوصفات التي لا تخطر في بال أحد إلا المرضى الحمقى الذين انطلت عليهم مثل هذه الوصفات.

ولابد أن هذا الطبيب النصاب قد جمع ثروة طائلة من مرضاه المغفلين، الذين كان يخدعهم بروشتاته ووصفاته الغريبة، ولابد أنه أيضاً من الذين ينطبق عليه التعريف الطريف للأطباء من أنهم الذين يصفون الدواء الذي يعرفون عنه القليل لمعالجة الأمراض التي يعرفون عنها الأقل للأشخاص الذين لا يعرفون عنهم شيئاً، لولا أنه ثبت أنه لا يعرف في الطب إلا مثلما أعرف أنا في ميكانيكا السيارات أو الطائرات أو تشغيل الكمبيوتر. وبعيداً عن مخالفة الأطباء وارتكابهم للفظائع حانثين بذلك قسمهم المهني والإنساني، كالأطباء عندنا الذين ضبطوا في الفترة الأخيرة يروجون الهيروين والأفيون والحبوب المخدرة، فإن بعض هؤلاء الأطباء ضعيف الإرادة والمعرفة بعملهم والذين يضعون مصلحة جيبهم فوق مصلحة مرضاهم، جديرون بأن ينالوا ما يستحقون من عقوبات مشددة لكي تردع غيرهم، حفاظاً على سمعة هذه المهنة الإنسانية الخطيرة والمقدسة، والتي تتعامل مع صحة الناس وأرواحهم. ويذكر للكاتب الساخر جورج برنارد شو أن طالباً بليداً جاء إليه يريد نصيحته قائلاً: لقد تركت الطب وأريد أن اشتغل بالأدب لخدمة الإنسانية، فما رأيك؟

فرد عليه شو: لقد خدمت الإنسانية أفضل وأجل خدمة. وهنا سأل الطالب مندهشاً: وكيف ذلك؟ فقال له شو: لأنك تركت دراسة الطب. غير أن الأطباء، ونقصد الحقيقيين منهم لا الأدعياء، والمخلصين لعملهم ولمهنتهم لا لفلوس المرضى، كثيراً ما تصدر منهم مواقف طريفة، أو كثيراً ما يصفون لمرضاهم وصفات مضحكة، خاصة إذا جاء هؤلاء المرضى لهم بأمراض وشكاوى وأوهام وطلبات غريبة من أصلها وهم، أي هؤلاء الأطباء، إنما يفعلون ذلك، من باب الضحك مع مرضاهم ومن باب ملاطفتهم ليس أكثر وربما محاولة منهم لتحسين الحالة النفسية لمرضاهم أملاً في شفائهم، أشهر هؤلاء جحا ما غيره، الذي كان كما يقول المثل «سبع صنايع والبخت ضايع» وإحدى كاراته كانت الطبابة، جاءه رجل يوماً شاكياً من مغص، فسأله جحا: ماذا أكل؟ فقال المريض: لحما بائتاً فسأله جحا: وماذا شربت؟ فأجابه الرجل: شربت عصيراً حامضاً، عندها أعطاه جحا دواءً للأنف، لكن الرجل احتج قائلاً: يا جحا، إني أشكو من بطني وليس من أنفي، فرد عليه جحا ضاحكاً: أنفك هو المريض، لأنه لو كان سليماً ما أكلت لحماً فاسداً ولا شربت عصيراً حامضاً. وأعرف صديقاً طريفاً ذهب إلى طبيب للحصول منه على دواء لصلعته التي تعقد منها لكثرة تندر أصدقائه عليها، وبعد أن وصف له الطبيب دواءً قال صديقنا: هل هذا الدواء له مفعول أكيد لإنبات الشعر؟ فرد عليه الطبيب: نعم، فقد انكسرت منه زجاجة قبل أسبوع وانسكب الدواء على الكاشي، وبعد لحظات نبت الشعر فوقه. صاحبنا خرج راضياً من عند الطبيب، ليس لأنه اقتنع بالدواء، بل لأنه كما يقول وجد أن الطبيب أطرف منه، وصار بعد ذلك صديقاً له وانضم إلى شلة الظرفاء التي تلتقي كل مساء على أحد المقاهي، وقد روى هذا الطبيب مرة عن فتاة جاءت تشكو إليه من عدم قدرتها على النوم منذ فسخ خطيبها خطبتها، فلم يجد وصفة يكتبها لها خيراً من أن ينصحها بالبحث فوراً عن خطيب آخر، وروى عن مريض آخر سأله: لن أقول لك شيئاً عن مرضي، فإذا كنت طبيباً ماهراً فإنك تستطيع أن تعرف مرضي دون أن أتكلم أنا، فرد عليه طبيبنا الظريف: إذن أنصحك أن تراجع طبيباً بيطرياً. وربما إن الطبيب الإنجليزي النصاب، كان مرضاه الذين يراجعونه وسخين وقذرين، وامتلأ شعرهم بالقمل فوصف لهم الشامبو شراباً لكي يعالج قذارة أبدانهم، ويزيل منها القشرة فما الذي لاحظه إذن بعض الأطباء عندنا لكي يصفوا للناس الهيروين والحبوب المخدرة ويقوموا بترويجها بينهم؟ نترك الجواب لخيالكم.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.