عبد الحميد أحمد

الخرفان عطلت الوحدة العربية

كل عام وأنتم بخير، ونواصل اليوم شرح الحكمة الجديدة التي اكتشفناها من وراء الخرفان والتي تقول: من خرفانكم تعرفون.

فقد سمعت من مصادر مصرية موثوقة عليمة بالخرفان وأسرارها، أن المصري، لابد أن يشتري في كل عيد خروفاً على الأقل، خوفاً من الحرم المصون، التي يمكن أن تهدده بالضرب والرفس، وحتى بطلب الطلاق، إذا لم يشتر لها بعلها خروفاً لتغيظ به الجيران، حتى لو استدان ثمنه من عند هؤلاء الجيران أنفسهم.

وعند مقدم الخروف البهي إلى البيت، وهذا غالباً ما يكون شقة، فإن الست، بعد أن تقوم بمظاهر الاستقبال والحفاوة اللائقة، دلالة على أن عندها خروفاً، تتعمد أن يقيم خروفها الهمام في البلكونة لمدة أيام، كل ذلك ليراه الجار ولتسمعه الجارة يقول لها صباح مساء: ماء، ماء، ماء.

وقبل ذلك، يكون الخروف قد أعلن عن وجوده بين الجيران وفي الحارة، بإطلاق اسم عليه وبمروره عدة مرات في شارع الحي وهو كاشخ في المقعد الخلفي للسيارة، إذا كان صاحبه موسراً ويملك سيارة، وإلا بقيادته من رقبته بحبل طويل داخل الحارة وخلفه الصبيان عاملين هيصة وزمبليطة للفت الأنظار إلى القادم الجديد للحارة، إضافة إلى أن الخروف يحصل على برنامج خاص للنزهة بمصاحبة الأطفال للتخفيف من كآبته النفسية وأحزانه لمفارقته الأحباب والخلان من أصدقائه الخرفان.

ومثل كل الشعوب العربية، يقوم المصري بفحص خروفه قبل الشراء، فإذا كان البعض يفحص أسنان الخروف بفتح فمه وتفقد هذه الأسنان سناً سناً لضمان صغر الخروف وصحته، فإن المصري يفحصه من ليته، وكلما كانت اللية كبيرة ومشحمة كلما ازدادت فرص الشراء وقلت عملية المجادلة والمماطلة مع البائع الذي تكون قد طلعت روحه من مثل هذا الزبون، الذي يتصور نفسه يشتري كاديلاك أو رولز رويس أو صاروخ باتريوت.

وحسب هذا المصدر الموثوق، فإنه من العيب على المصري أن يشتري خروفاً سودانياً أو صومالياً أو سورياً، أو من أي جنسية أخرى، إذ لابد أن يكون الخروف بلدياً خالصاً (أي مصري المنشأ) لكي تكبر عملية المباهاة به بين الجيران والأقارب والخلان، حتى لو كان ثمنه أضعاف أضعاف ثمن غيره من الخرفان المستوردة.

وأتصور أن مثل هذا الشرط يرد عند كل مشتر، فالسوري يفضل خروفه سورياً، والسوداني يفضله سودانياً، وهكذا، مما يضع الخرفان، دون علم هؤلاء، في خانة المتهمين بعرقلة الوحدة العربية، وإثارة النعرات والتعصب الوطني على حساب المصلحة القومية، خاصة عند جماعتنا القومجيين والوحدويين ولو بالقوة من أمثال صدام ومؤيديه، ولابد أن الخروف لهذا السبب قد دخل قوائم المقاطعة الموجودة في ملفات الجامعة العربية، على اعتباره من أعداء الوحدة، رغم أن الدكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام للجامعة لم يصدر بعد بياناً رسمياً بإدانة الخرفان العربية، لأن القمة لم تنعقد لمناقشة هذا الأمر الخطير، من بعد كارثة أم المعارك، وبهذا فإن الخرفان قد سلمت من قرارات وتوصيات الجامعة العربية التي غالباً ما يكون مصيرها الديب فريزر.

ونترك السياسة للسياسيين، ونعود لخرفاننا، لنقول إن زميلاً مصرياً فوجئ ذات يوم بالشرطة على باب شقته، حيث قام جيرانه الهنود بإبلاغهم أن الخروف المربوط على البلكونة يسبب إزعاجاً لأولادهم ويفسد نومهم، وهكذا تعهد الزميل للشرطة بإدخال خروفه إلى الداخل، ليتحمل بذلك ما يسببه الخروف من إزعاج وروائح وهو يعد الأيام لحين موعد نحره، لاعناً اليوم الذي طاوع زوجته وهي تصر عليه وتنكد عيشه لكي يجلب لها خروفاً.

أما زميل آخر، فقد فوجئ ذات صباح باختفاء خروفه من البلكونة، حيث قفز هذا مفضلاً الانتحار على ساطور الجزار، فطارت الفلوس وطار اللحم.

… وكل خروف وأنتم بالصحة والسلامة، ومطرح ما يسري يمري.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.