كان بودنا أن يكون حديثنا أمس هو آخر حلقة في مسلسل الخرفان، الذي قدمناه لكم بمناسبة عيد الأضحى المبارك، مشاركة منا في تسليتكم، ورغبة في منافسة برامج ومسلسلات التلفزيون التي تنسطلون عليها خلال أيام الإجازات، حتى لو كانت هذه البرامج والمسلسلات بايخة ومملة وما لها نكهة.
غير أن مذكرة احتجاج عاجلة وصلت أمس، مرفوعة من جمعية الخرفان العربية عن طريق الاتحاد العالمي للخرفان، الذي يتخذ من مدينة سيدني بأستراليا مقراً له تطالب بسحب ما كتبناه، والاعتذار عما سببناه لها من أذى نفسي، عند مقارنتنا لها بخرفان أمريكا، ووصف هذه بأنها مؤدبة ومتحضرة، وقد فهمت الخرفان المعنية أننا نغمز من قناتها، ونسيء إلى سمعتها كخرفان شهيرة بلحمها وشحمها وصوفها أيضاً. وهددت الجمعية برفع شكوى عاجلة على صاحب الزاوية عند مجلس الأمن مطالبة إياه بفرض عقوبات شاملة عليه، وإلا فإنها ستعلن ضده حرباً شعواء مستخدمة كامل قرونها الاستراتيجية.
واحتراماً لحرية الرأي وحق الرد، فقد رأيت إبراز أهم ما في المذكرة اليوم، لكي لا تنفذ الجمعية، ومن ورائها الاتحاد، تهديدها، فأنال عقوبات الأمم المتحدة وأنا مثلما تعلمون لست قد هذه العقوبات، كما أنني لا أتعنتر مثل غيري، ثم أشفط كل ما قلته وفعلته سابقاً عندما تلوح عصا هذه العقوبات، كما فعل بعضنا سابقاً، وكما يفعل الآخرون هذه الأيام.
فقد رأت الجمعية أنه من الظلم مقارنتها بشقيقاتها خرفان أمريكا التي سحرت في أدبها وتحضرها وجمالها زميلنا أحمد بيات، ذلك، لأن هذه الخرفان تلقى من الرعاية الكريمة على أيدي أصحابها الأمريكان ما لا تلقاه خرفاننا أعضاء الجمعية، ثم إنها تحظى بالحرية والعطف، على عكس خرفاننا التي لا تستطيع فتح فمها إلا عند فحص أسنانها قبل شرائها، ثم إن خرفان الغرب عموماً، تأكل من خيرات الأرض، كالشعير والذرة وكافة أنواع الحبوب وفوقها مقبلات ومشهيات وفيتامينات، ما لا تحلم به خرفاننا، التي يموت بعضها جوعاً، أو بحثاً عن كراتين وأوراق تسد رمقها، من ثمار وفوائض خطط التنمية العربية الظافرة التي تحقق الاكتفاء الذاتي في الجوع، وقدمت الجمعية مثالاً على ذلك بإفراد فقرة كاملة من مذكرتها عن شقيقاتها خرفان السودان والصومال وجيبوتي وغيرها من الدول.
ثم أوضحت المذكرة فوارق أخرى بينها وبين خرفان أمريكا المدللة، أهمها، أن الأخيرة يداعبها أصحابها ويغنون لها ويقدمون لها الموسيقى مع وجبات الطعام الشهية، فيما خرفان الجمعية تساق إلى الأسواق والمقاصب بالعصا وشتائم الجزارين والباعة والمشترين على السواء، كما حدث خلال الأيام الأخيرة على امتداد الوطن العربي. ومساهمة مني في جبر خواطر خرفاننا المكسورة، ولكي لا تزعل علينا، فإنني أورد بعض محاسنها حتى لا تتهمنا بممالأة خرفان الغرب ومدحها على حسابها، وبالعمالة للسي. آي. ايه والإمبريالية الرأسمالية.
على رأس هذه المحاسن أن خرفاننا على خلاف خرفان الغرب، مثقفة، فهي تلتهم كميات من الورق، وتفضل أوراق الجرائد والمجلات والكتب على غيرها، مما يضعها في مصاف أكبر المثقفين الغربيين التهاماً للكتب والجرائد، ثم إن خرفاننا مؤدبة أيضاً، فهي مطيعة لا تجادل ولا تتكلم حتى لو تعرضت لمجازر جماعية في المقاصب، وقد شاهدت مؤخراً خروفاً أوقف سيارة تاكسي خلال العيد، وطلب إيصاله إلى المقصب، وكان يمكن أن يكون هذا الخروف نموذجاً للخرفان المؤدبة، لولا أنه، وبسبب سوء فهم وقع بينه وبين السائق الآسيوي، حيث لم يفهما لغة بعضهما اشتبك مع السائق بقرنيه، مما تسبب في تمزيق شرواله (شروال السائق لا شروال الخروف) وبعض الأضرار المادية كخدوش على باب السيارة.
ولا نستطيع بالطبع أن نقول إن الحق على الخروف في مثل هذه الواقعة، وإلا لزعلت علينا الجمعية مرة أخرى وعادت إلى تهديداتها واستنكاراتها، ونحن في غنى عن هذه وعن تلك، وإن لم نكن في غنى عن لحوم خرفانها، ولو كان غذاؤها الحصى والرمل.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.