نستكمل موضوع الأمس الذي قلنا إن المدرسة أصبحت دقة قديمة وعالماً ثالثاً متخلفاً، مقارنة بالمجتمع وما هو موجود خارج أسوارها من حقائق مذهلة جديدة عندنا، وعند العالم أجمع. حتى صارت مدارسنا تثير مشاعر الكره والإحساس بالسجن عند طلابنا، الذين يجدون خارجها ملاذهم ومتعهم.
ونسأل: كيف يمكننا أن نعيد للمدرسة حضورها ودورها في نفوس الطلبة بحيث يتشجع هؤلاء ويقبلون عليها بروح عالية وبشغف وحب كما كانوا أيام زمان، حين كانت المدرسة تتقدم على المجتمع فيما توفره للطلبة؟
لنعترف، أن الكتاب المدرسي والحصص وحدها غير كافية لإشاعة مشاعر الحب والرغبة عند الطلاب في مدارسهم، بل لعل هذه على الدوام، ومهما تعددت أساليب التدريس ومناهج التعليم، تشكل، عندنا كما عند دول أخرى تفوقنا في تقدم تلك الأساليب والمناهج، واحدة من أسباب الزهق والملل والضجر عند الطلاب، الذين يميلون في سنوات عمرهم إلى البحث عن السهل والمريح، حتى في تلقي العلوم والمعارف، فكيف يكون الحال إذا كانت المدرسة كلها، من الكافتيريا مروراً بساحتها، وختاماً بنشاطاتها التقليدية التي صارت عتيقة الآن، مصدر زهق وضجر؟
خارج المدرسة يجد الطالب متعاً جديدة وحياة تختلف تعوّد عليها، كأن يمارس هواية اللعب بالفليبرز أو البلياردو أو الألعاب الإلكترونية، أو كأن يجد متعة في مشاهدة الأفلام والمسرحيات، أو حتى الجلوس مع أصدقائه في مقهى أنيق ونظيف يشرح النفس، أو متابعة المسلسلات والبرامج التلفزيونية، من عدد من القنوات يختارها كيفما يشاء وبمطلق حريته ودون رقابة، خاصة مع دخول الدش المعظم إلى بيوتنا وغرف نومنا. أما في المدرسة، فإن الكافتيريا لا تزال على ما هي عليه، طوابير من الطلبة وزحام خانق من أجل سندويتشة فول أو فلافل أو جبنة يأكلها تحت الشمس وهو واقف، وحصص النشاط، خاصة الرياضي، لا تزيد على كرة قدم أو طائرة، يرمي بها مدرس الحصة في ملاعب متربة ومغبرة، وهكذا الأمر بالنسبة لبقية النشاطات، دون التطرق طبعاً في هذه الزاوية، إلى الكتب المدرسية وأساليب التعليم القديمة، التي تقوم على الحفظ وعلى السبورة وغالبية ما فيها معلومات قديمة، بعضها تجاوزه العصر ولم يعد مقبولاً حتى عند الطلبة أنفسهم. ونسأل: ما الضرر الذي سيلحق بالمدرسة، أكثر مما هي عليه الآن، لو أن مقصفها الذي يفتح لنصف ساعة، يتحول إلى كافتيريا حديثة مكيفة الهواء، نظيفة، يجلس فيها الطلاب على كراسي مريحة، ليتناولوا ما يشاءون من أطعمة وأشربة، كتلك التي يتناولونها في مقاهي المراكز التجارية والأرصفة؟
ونسأل: ما الضرر الذي سيلحق بالمدرسة، أكثر مما هي عليه الآن، لو أقيمت فيها صالات ألعاب وتسلية حديثة، وتوفرت فيها قاعة للتلفزيون، بما في ذلك الفضائي، وللفيديو، وأخرى لألعاب الفليبرز والبلياردو وكافة وسائل التسلية الحديثة التي يهرب الطلبة من المدارس لكي يمارسوها في الشوارع وفي البيوت؟
ونسأل: لماذا لا تتوفر في المدارس مكتبات، يوجد فيها إلى جانب ما يوجد فيها حالياً من كتب جادة بعضها ممل، صحف ومجلات ودوريات، حتى من تلك التي تثير رغبة الشباب في الاطلاع عليها، كالمجلات المتخصصة في الكمبيوتر والفنون والسيارات والأزياء والرياضة وغيرها؟ ثم، لماذا لا تتحول المدرسة إلى مركز جاذب ودائم لهؤلاء الطلبة، يفتح أبوابه خارج الدوام الرسمي، وفي فترة بعد الظهر لكي يأتي إليها الطالب، سواء من أجل فنجان اسبرسو وحديث خاطف مع أصدقائه، أم من أجل البلياردو أو مجلة السيارات، أم حتى من أجل المشي في حديقتها الجميلة؟ إن من الأفضل لنا أن يمارس أولادنا هواياتهم الجديدة ولهوهم ومتعهم الحديثة تحت أبصارنا وفي مدارسنا من أن يمارسوها في الشوارع، على حساب تعليمهم ومدارسهم، غير أن ما نقترحه، لن يكون سهل الهضم، على الذين لا يرون في المدرسة غير كتاب وعصا، ومع ذلك نقول إن أهل التربية أدرى بشعابها، ونحن نترك الخبز لخبازه.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.