عبد الحميد أحمد

قراقوش أمريكي

في إيطاليا صدر مؤخراً تشريع منع النساء من لبس الكعب العالي في المنازل وكل من تخالف هذا التشريع تدخل السجن، وذلك بعد تزايد الشكاوى من سكان العمارات من الضجيج الذي يحدثه هذا النوع من الأحذية.

لم يشأ طبعاً القاضي الذي أصدر هذا التشريع في مدينة ميلانو أن يمنع ارتداء الكعب العالي في الطرقات مع أنه يصدر أصواتاً عالية، وذلك لأن حرمان النساء من سلاح فتاك في مواجهة المزعجين والحشريين سيخلق له مشكلة أخرى، وهي اتهام نساء إيطاليا له بمحاولة تجريدهن من أحد أسلحة الدفاع عن النفس.

وكنا نعتقد أن قوانين من مثل هذه القوانين لا تصدر إلا في بلد مثل إيطاليا، يعرف عن أهلها المزاج والمزاح معاً، والصرعات، غير أن أمريكا تسلب إيطاليا وغيرها فن خلق الصرعات، بما في ذلك الصرعات القانونية والقضائية.

ويحفل تاريخ القضاء في أمريكا بقوانين غريبة ومضحكة، ومن أن قاضياً في كاليفورنيا أصدر حكماً ضد عائلة يحدد لكلابها أوقات نباحها، بواقع دقيقتين في الساعة، ويحظر على هذه الكلاب النباح ما بين الساعة الثامنة مساء والثامنة صباحاً.

صاحب الكلاب بروس هوي لم يعجبه الحكم، فقرر الطعن ضد قرار القاضي، والقضية الآن أمام محكمة الاستئناف، التي ربما تلغي الحكم السابق وترفع الحظر عن نباح هذه الكلاب، فتعود إلى سابق عهدها، وربما ترفع عدد ساعات نباحها نكاية في هذا القاضي، وأمام بيته أيضاً. وفي أول قضية من نوعها في العالم، رفع طفل أمريكي عمره 11 سنة، دعوى قضائية في فلوريدا على والديه، يطالب بطلاقهما لأنهما غير جديرين بتربيته، ولو كسب هذا الطفل المدعو جورج كي القضية، لصارت سابقة يحق بموجبها لأطفال أمريكا جرجرة أبويهما إلى المحاكم بتهمة عدم شراء الأيس كريم لهم، أو عدم اصطحابهم إلى الحديقة في عطلة نهاية الأسبوع، أو بحجة منعهم من مشاهدة توم آند جيري.

وما يهمنا من هذه القضايا الغرائبية هو أنها تكتسب طابع الطرافة، ثم إننا لا نتوقف أكثر من ذلك عندها طالما هي تخص الأمريكان وحدهم، فتلك بلادهم وتلك قوانينهم، ولهم أن يصنعوا من غرائبهم وصرعاتهم ما شاءوا وطالما أننا غير معنيين من قريب أو بعيد. غير أن أمريكا في النظام العالمي الجديد، ترى أن من حقها أن تفرض على العالم ما تشاء، بما في ذلك صرعاتها، وحتى قوانينها العجيبة وقرارات محاكمها وقضاتها، الذين يتخذون القرار في دقيقة ليركضوا بعدها إلى بيوتهم لمشاهدة المصارعة الحرة أو البيسبول.

ولم يمض على اتخاذ المحكمة العليا بأمريكا قراراً يجيز للمخابرات وللأمن الأمريكي اختطاف أي مواطن غير أمريكي في أي دولة بأية تهمة، وهو ما يشكل سابقة غير عادية وخطيرة، مثل كل السوابق الأمريكية، حتى سارع رجال المخابرات إلى خطف ثلاثة مواطنين مكسيكيين، آخرهم المدعو لوبيس الذي كان سائراً في أحد طرقات بلدة ناكو منتصف هذا الشهر، فتم خطفه ليجد نفسه بعد ساعات سجيناً في أمريكا.

ولن نعيد للذاكرة قصة اختطاف مانويل نورييجا، الذي اقتحمت بلاده قوات المارينز وتمت مطاردته واصطياده كالفأر لتقديمه للمحاكمة في ولاية فلوريدا الأمريكية.

ومادام الأمريكان نفذوا حكم محكمتهم العليا، فصار لزاماً علينا أن نراجع حساباتنا وكافة مواقفنا، فإذا كان فيكم من شتم شامير ورأت فيه أمريكا أنه عدو للسامية، أو فيكم من شجع مرة الانتفاضة أو المقاومة اللبنانية وجمع لها التبرعات، فهو إرهابي لا محالة، وعليه أن يلتفت يميناً وشمالاً وهو يسير في الطريق لئلا يخطفه عملاء الوكالة الأمريكية من بين يدي زوجته وأطفاله، وإن كنت شخصياً أنصح أمثال هؤلاء بالبقاء في بيوتهم، فذلك أسلم لهم، لأن أحكام أمريكا وإن كانت غرائبية، إلا أنها لا تقبل الاستئناف في مثل هذه الأحوال، التي تختلف حتماً عن حالة الكلاب الممنوعة من النباح بأمر قضائي أو قضية الطفل الأمريكي الذي سئم مشاجرات والديه خاصة عند استخدامهما الأطباق الطائرة.

… ترى هل أنتم متأكدون أن قراقوش الذي تعرفونه ليس أمريكياً؟

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.