عبد الحميد أحمد

عند الحلاق

يوم الخميس، هو يوم العرسان الجدد، وهو أيضاً يوم صالونات الحلاقة، خاصة النسائية، غير أننا نتحدث اليوم عن الحلاقين، لا الحلاقات.

فهؤلاء تمتلئ دكاكينهم بالزبائن يوم الخميس، حتى إن بعضهم صار لا يستلم رأساً من دون أن يكون صاحبه قد اتصل وحجز موعداً قبل يوم أو يومين على الأقل، فالأطباء ليسوا أحسن منهم، ونستثني من هذا الكلام الحلاقين الهنود والآسيويين الذين يرحبون بالرأس في أي وقت ومهما كان هذا الرأس كبيراً أو صغيراً، أصلع أو ذا كشة، نظيفاً أو مزرعة قمل، فكلش سيم سيم أرباب، وما في مشكل.

أما الحلاقون المودرن، خاصة إخواننا اللبنانيين، فالموعد ضروري عندهم، فهو يعطي أهمية وقيمة لصالوناتهم، إضافة إلى أنهم صاروا يسمون هذه الصالونات بأسماء لها نغمة ورنين، ولا يهم بعد ذلك إن كان بعض هؤلاء الحلاقين لا يجيد الحلاقة كما يجب، وينطبق عليه القول إنه يتعلم الحسانة في رؤوس المجانين. ومن المجانين، صديق ظريف ذهب مرة لأحد هذه الصالونات الجديدة مدفوعاً بحب الفضول، وحب التغيير أيضاً، فقد مل سماع الأغاني الهندية عند حلاقه الدائم، حلاق كالكوتا، فسلم رأسه للحلاق المودرن لكي يحلق له على الصفر، ولما كان هذا لم يتعود على الحلاقة الزيرو، بل على «القصات الغربية» فقد ملأ نصف رأس صاحبنا بالقطن كلما خدش جلدة رأسه، فنهض صديقنا قبل أن يكمل الحلاق مهمته لكي ينصرف، فقال له الحلاق: صبرك يا معلم، باقي النص؟ فرد عليه الصديق: لقد زرعت نصف رأسي قطناً، فأترك لي النصف الثاني لأزرعه قمحاً.

وما دمنا في سيرة الحلاقين، الذين يقال عنهم إنهم الوحيدون المسموح لهم بالحديث من وراء ظهورنا، والذين يذهب بعضنا إليهم، ليس لأنهم حلاقون مهرة، بل لأن قصصهم مسلية وثرثرتهم حلوة، فإن شعر رئيس دولة أفريقية يكلف شعبه عشرة آلاف دولار شهرياً للحلاقة، فيما بلده تغرق في الديون والفقر والتخلف. وهذا الرئيس الذي يلقب نفسه المواطن الأول والأخ الكبير والديك الأكبر ذو العرف الأحمر، يرسل كل أسبوعين تذكرة طيران درجة أولى لأشهر حلاقي نيويورك المدعو أندرو، ليأتي هذا إلى عاصمته ويسكن في جناح محجوز باسمه في أرقى فنادقها، ثم بعد انتهاء مهمته، أي حلاقة شعر الديك الأكبر، يعود معززاً وقد كلف الدولة خمسة آلاف دولار.

ولابد أن خبراً مثل هذا يثير حسد الحلاقين في العالم أجمع، فيتمنى الواحد منهم لو يقوم بالمهمة بنصف الثمن، حتى ولو كان رأس الأخ الكبير، أكبر مزرعة قمل في العالم، غير أنهم ربما لا يعرفون أن أندرو وزملاءه الحلاقين الأمريكيين ممنوعون من أكل البصل بحكم القانون ما بين الساعة السابعة صباحاً والسابعة مساء، وذلك لحماية الزبائن من رائحة البصل التي قد تفوح من فم الحلاق أثناء قيامه بقص الشعر.

غير أن هذا الديكتاتور، لا يستعين بأندرو لحلاقة شعره، لأنه يقرف من رائحة أفواه حلاقي شعبه، الذين لا يجد بعضهم أكلاً غير البصل، في بلد تحكمه الديكتاتورية منذ ما يقارب الثلاثين عاماً، بل لأنه لا يغامر بتسليم رأسه إلى حلاق من بلاده، قد يخرج من عنده بطلاً قومياً، لأنه خلص الشعب من الديكتاتور، فيما الشعب عاجز عن هذه المهمة، رغم ما ابتلي به من فقر وجوع وإرهاب واضطهاد على مدى 30 عاماً.

وربما أننا بعد اليوم نعرف الديكتاتور من حلاقه، مثلما نعرف المرء من قرينه، ونختتم بهذه الحكاية، التي تدل على أن الحلاقين الذين نسلمهم رؤوسنا مطمئنين رغم أن في أيديهم أمواس ومقصات، يمكن أن يفعلوها، إذا ما غضبوا منا أو أثرناهم، فقد سئل حلاق حكم عليه بالإعدام لذبحه حماته بالموس بعد أن أثارت أعصابه، ولم يحسن محاميه الدفاع عنه وكان سبباً في صدور الحكم بالموت عليه، عن رغبته الأخيرة قبل أن يموت، فأجاب: أتمنى أن أحلق للمحامي الذي دافع عني فنصير خالصين.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.