الحلم سيد الأخلاق، إلا أن أعصاب البشر في هذا الزمن فالته، ولا تستطيع تحمل أدنى إثارة أو نرفزة.
وربما يكون أقوى الناس أعصاباً في بلد كبير مثل مصر، فيه الضغوط الحياتية والمعيشية على المواطن ما يفل الحديد، هو من يتحمل حماته وثرثرتها ودخولها المتعمد بين البصلة وقشرتها، أي بين الزوج وزوجته، لكن حفني محمود حفني، وهو عامل فقد أعصابه على حماته، فكسر زجاجة مياه معدنية وظل يطعنها في بطنها حتى تدلت أحشاؤها، أما السبب، فهو الغضب، لأنه كما قال لم يعد قادراً على تحمل حماته وتدخلها في حياته العائلية.
وهذا النوع من الغضب، هو الذي أوله جنون وآخره ندم، أي الغضب الأحمر، الذي يقود إلى القتل والتدمير والسجن والإعدام، ومنه ما قرأناه في الأسبوع الماضي أيضاً، حيث ثارت أعصاب مواطن أمريكي بعد حصول ابنه على علامات سيئة في الصف الثاني من الحضانة، فحمل رشاشين وسكيناً وتوجه إلى المدرسة، فشتم المدرسات، وأطلق النار على شرطيين، وأثار ذعر الطلبة الصغار. ولا نعرف ما الذي كان سيقوم به هذا الأمريكي لو أن ابنه سقط في الجامعة، وليس في الحضانة، لعله كان سيقصف الجامعة بصواريخ أرض – أرض محملة برؤوس نووية.
ومثل هذا المواطن الأمريكي، قرأنا سابقاً عن آخرين في استراليا وأوروبا وأمريكا، فقدوا أعصابهم فدخلوا محلات عامة، أو شوارع مليئة بالناس فأطلقوا الرصاص عشوائياً على الأبرياء، وأصابوا وقتلوا العشرات منهم.
ومن هذا الغضب الأحمر، ما قام به مواطن بريطاني في الأسبوع الماضي أيضاً، حيث لم يتحمل استفزاز زوجته له وكثرة كلامها وطول لسانها، فذبحها في سرير الزوجية، وظل ينام إلى جانبها عشرة أيام، حيث فاحت رائحتها فافتضح أمره وذهب إلى السجن.
ومن هذا النوع من الغضب القاتل، إلى حالات أخرى أبطالها الذين غضبهم على طرف أنوفهم، تثيرهم أقل الاستفزازات، وأبسط الأسباب، فيخرجون عن طورهم، إلى حد ارتكاب الحماقات وقلة الأدب ما يجعلهم مسخرة وطرفة في أعين الناس.
من هؤلاء الأب الذي ينهال ضرباً على أولاده لأنهم أزعجوا قيلولته، ومنهم الموظف الذي يصفع فراشاً ويدخل معه في خناقة لأن هذا تأخر في جلب شاي الصباح له، ومنهم السائق المحترم الكشخة في السيارة الفخمة الذي يأتي بحركات غير لائقة في شارع عام، لأن سيارة أمامه لم تفسح له الطريق، ومنهم الذي يمزق أوراق معاملته ويشتم نفسه ويشبهها بالقرود والحيوانات لأن موظفاً على الكاونتر قال له بعد انتظار في الطابور: الدوام انتهى، تعال غداً. ومنهم المدير الذي يرفع السماعة من صباحية ربنا ليشتكي صحافياً عند رئيس التحرير، لأن ما نشره هذا الصحافي لم يعجب حضرته، ومنهم الزوج الذي يرسل زوجته المصون إلى بيت أهلها لأنها طبخت رزاً وسمكاً فيما هو اليوم نفسه مفتوحة على الآخر على صالونة لحم، ومنهم الزوجة التي إذا دخل عليها زوجها متعباً من العمل فتحت عليه النار (بالكلام وليس المسدس) لأنه لم يجلب لها الأوامر المستعجلة التي تلقاها في مكتبه بالهاتف، وهكذا.
وما بين هذا النوع من الغضب والنوع الآخر، الذي يجمعهما معاً الجهل وقلة الوعي وسوء التصرف، ثمة غضب لابد منه، لأنه من دونه لا تستقيم أمور كثيرة في حياتنا، ومن دون هذا النوع الحميد من الغضب المقبول والمبرر والعاقل، فإن الواحد يصير بارداً لا يهش ولا ينش، غير أن المشكلة تبقى في كيفية التحكم في هذا الغضب بحيث لا يتحول إلى حماقة مضحكة، أو إلى مأساة مريعة.
فإذا صادفكم موقف ينرفز اليوم، فعلى الواحد أن يحسب حسابه قبل أن تثور أعصابه ويفلت عياره، كأن تحط ذبابة على أنفه فيضربها بعصبية، وسلامة خشومكم.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.