عبد الحميد أحمد

ديمقراطية

صحيح أن الكلام ببلاش ولا يكلف صاحبه فلساً، إلا إذا كان المتكلم مرشحاً لبرلمان أو رئاسة، فإنه في هذه الحالة يدفع ما فوقه وما تحته لكي يجد من يستمع إليه.

ونشاهد كل يوم في الصور، الحملات الساخنة في قطار الانتخابات الأمريكية، حيث ينظم الحزبان المتنافسان اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات والبرامج والإعلانات، وكل هذه تتكلف ملايين الدولارات من أجل أن يستمع الناخب الأمريكي، لمرشحي الحزبين.

وكلما زاد الانفاق والدفع على هذه الحملات، التي يتم تمويلها من المتبرعين والمؤيدين ومن كبار الرأسماليين والشركات، كلما حصل الحزب على آذان أكثر تستمع إليه، أو استطاع الوصول إلى عدد أكبر من الآذان، دون أن يعني ذلك بالضرورة، كسب أصحاب هذه الآذان لصالحه.

ومن أمريكا إلى لبنان شاهدنا مؤخراً، ما يشبه ذلك، حين أنفق المرشحون المقتدرون آلاف الدولارات على طباعة صورهم ولصقها على الجدران، وزاد اللبنانيون على ذلك بأن وزع بعضهم دولارات حقيقية على الناخبين، لضمان أصواتهم، وتعرفون معنى الدولار هذه الأيام في لبنان.

وسمعت من بعض اللبنانيين الظرفاء، أن بعض المرشحين لم يكن في حاجة لكل هذا الصرف، إذ كان يكفي الواحد منهم أن يعلن ترشيح نفسه في ضيعته أو قريته، حتى يصوت له كافة أبناء القرية لكي يتخلصوا منه ويرحل إلى العاصمة.

وفي إحدى دول أوروبا، فاز مرة مرشح، اكتشف لاحقاً أنه انتقل إلى الآخرة منذ سنوات، غير أن في لبنان مازال الكثيرون من الذين «فنقشوا» من زمان، ولم يعد يتذكرهم أحد الآن، يصوتون لهذا المرشح أو ذلك، وتلك من طرائف الانتخابات اللبنانية، حيث الأموات يقترعون.

وبعد أيام قليلة، يذهب الكويتيون إلى صناديق الاقتراع، لانتخاب أعضاء مجلس الأمة، والكويتيون اشتهروا على الدوام، بأسلوبهم الخاص في الحملات الانتخابية، مثل الدواوين حيث تعقد الندوات، ومثل الخيام حيث النحر والذبح والولائم.

ولهذا السبب، فقد ارتفعت أسعار الخرفان في الكويت من 45 ديناراً إلى 80 ديناراً للخروف، نظراً للإقبال الشديد عليها من المرشحين، الذين يتبارون في الحصول على التأييد والأصوات، انطلاقاً من أطعم الفم تستحي العين، ومازالت أسعار الخرفان مرشحة للارتفاع، مما يعني أن المرشح الكويتي الفائز سيدخل البرلمان، بفضل هذه الخرفان وعلى رغبتها.

ثم إن بعض المرشحين، وجد أن هذه الخرفان لا تكفي، فاستبدلها بالجمال، وبعضهم طوّر العملية، فصار مثل المرشح اللبناني، يدفع ثمناً للصوت، قيمته تصل إلى 14 ألف دولار، إذا كان هذا الصوت «أعور» (وهذا مصطلح انتخابي كويتي مسجل لدى هيئة براءة الاختراع العالمية)، وهذا الصوت يسمى «الأعور» إذا بيع لمرشح واحد فقط.

وبما أن من عاشر قوماً صار منهم، فإننا نخشى أن يتأثر بعض الأوروبيين بحملات الكويت الانتخابية، فنرى في غضون سنوات من الآن خياماً وولائم في ساحة ترافلجار الإنجليزية، وفي جادة الشانزليزيه الفرنسية وأمام الكابيتول الأمريكي، مما يهدد باختفاء الخرفان من العالم أجمع لزيادة الطلب الغربي عليها، والدليل أنه في الوقت الذي صوّت الفرنسيون في فرنسا لماستريخت بنسبة 50٪ صوّت لها الفرنسيون في بعض الدول العربية بنسبة 99.9٪.

ولو صار هذا، فإن هذه الظاهرة ستسجل كأول اختراع عربي يستورده الغرب منا، وهذا يعني نجاحنا في تخريب ديمقراطيتهم، مثلما خربنا كل أحوالنا السياسية والاقتصادية وغيرها، ولا فخر.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.