عبد الحميد أحمد

التدخين ممنوع

التدخين ممنوع في وزارة الصحة والدفاع المدني بدبي.

هذا خبر سار للجميع، ربما باستثناء بعض المدخنين الذين لهم مع السيجارة عشرة عمر، ويدمرون حياتهم وحياة من حولهم دون اكتراث ولا مبالاة، ونتوقع من بعض هؤلاء المدخنين، الذين ستأخذهم خطواتهم غداً إلى الوزارة لإنهاء معاملاتهم أن يدخن الواحد منهم علبة كاملة قبل خروجه من البيت، لكي لا يخرم وهو في مقر الوزارة، على سيجارة، فيطير صوابه وتفلت أعصابه ويشتبك مع الموظفين والمراجعين، ويدخل في خناقات، بسبب حبة سيجارة، ممنوع عليه إشعالها في الوزارة.

وبما أن الخبر سار، فهو أيضاً خطوة في الاتجاه الصحيح لمكافحة التدخين، وقد علمتنا التجارب، أن المدخنين لا تقنعهم الحملات الإعلامية ولا البرامج التي تظهر أخطار التدخين، وأن قرارات من مثل هذا النوع، وكما اتخذتها دول متقدمة كفيلة وحدها بمحاربة هذه الآفة، والتقليل من أضرارها.

ومثل هذا القرار سيجد في البداية مقاومة ولو صامتة، ومرة سئل طالب مشاغب وفوضوي عن أصعب درس تعلمه في المدرسة، فأجاب: التدخين في الفصل دون أن يشعر المعلم!

وربما ذهب بعض المراجعين اليوم إلى الوزارة، وانتظروا الموظف الغائب عن مكتبه، وعلى هؤلاء أن يسألوا زملاءه إن كان من معشر المدخنين، فإذا كانت الإجابة بنعم، فليبحثوا عنه في حمامات الوزارة.

ولفترة ستزدهر هذه الحمامات، التي سيصبح من زبائنها كل موظف مدخن لا يتحمل الصبر عن السيجارة لساعة متواصلة، وستتحول هذه الحمامات إلى مداخن تذكرنا بحمامات المدارس، غير أن هذه الظاهرة ستتراجع مع الوقت، حين يشعر الموظف المحترم، أنه من غير اللائق أن يداوم في الحمام من أجل سيجارة، فيبدأ، إما في التخفيف من ذهابه إلى الحمام، أو الإقلاع عن ذلك نهائياً، وفي الحالتين، يكون القرار قد أثمر.

وفي الدول الغربية، شاهدنا مواقف مثل هذه، حين أجبرنا نحن الزوار المدخنين لبعض الأماكن العامة، مرات ومرات، على الصبر عن السيجارة لكي لا تخترقنا نظرات الأجانب بالاستخفاف والهزء، ولكي لا يصيبنا شعور المنبوذين من نظراتهم تلك، فما كان منا إلا الالتزام بقرار منع التدخين في تلك الأماكن، ولو على مضض.

وإذا كانت وزارة الصحة عندنا، قد اتخذت مبادرة منع التدخين في مكاتبها، كونها المسؤول الأول عن الصحة العامة، وعن محاربة كافة الآفات بما في ذلك التدخين، فذلك من باب تقديم القدوة والمثال، ونرجو من جهات أخرى أن تتخذ مثل هذه الخطوة، فالصحة العامة شأن الجميع، وحماية صحة الناس كلنا مسؤول عنها.

أما الدفاع المدني بدبي، فمضار التدخين ليست بعيدة عنه، وفي إقلاع الناس عن التدخين، خاصة السيجارة، فوائد له إذ سيقلل ذلك من استنفاره وخسائره لإطفاء الحرائق التي تسببها هذه السيجارة بعد أن ثبت أن كثيراً من الحرائق التي تقع في المنازل والشركات والممتلكات سببها هذه السيجارة التي ما أحسن المدخن إطفاءها أو أنه رماها بإهمال أو أنه نسي أصلاً إطفاءها.

ولذا، فقد بادرت، قبل إقناع الناس بضرر السيجارة، كونها من مسببات الحرائق، إلى تطبيق قرار منعها في مكاتبها لكي لا يقال عنها، وهذا ما ينطبق على وزارة الصحة أيضاً، بأن باب النجار مخلع.

ونحن – رغم أننا من المدخنين – نشكر الصحة والدفاع المدني على هاتين الخطوتين، فمفهوم السلامة العامة يدخل في نطاق عملهما وأهدافهما، ونرجو تعميم هذا المفهوم بالقرارات لا بالكلام وحده الذي لا يستمع إليه المدخنون، لكي يكون شأناً عاماً ومسؤولية جماعية يهتم بهما المدخنون قبل غيرهم ولو بالردع بعد فشل أسلوب بالتي هي أحسن.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.