عبد الحميد أحمد

مستودع نفايات

كنا نعتقد أن نسيان طبيب جراح مقصاً أو قطعة شاش، أو حتى نظارته الطبية، في بطن مريض، ضرب من النكت والطرائف التي تساق ضد الأطباء، أو نوع من التشنيع الذي يورده ضدهم باعة الأعشاب الطبية الذين بارت تجارتهم بعد تقدم الطب وعمليات الجراحة، ولم يعد أحد يستمع إليهم وهم يعددون فوائد العسل والحبة السوداء، أو الزنجبيل أو الزعتر وغير ذلك من أدويتهم الطبيعية.

غير أن النسيان والخطأ يقع فيه كل إنسان بما في ذلك الجراح، وإن كانت غلطة هذا نسيانه لقطعة من أدواته في بطن الإنسان، يمكن اعتبارها بألف، لأنه كما يفترض شاطر وعالم وفهمان. وقرأنا يوم الجمعة عن السيدة الألمانية التي اشتكت من آلام مبرحة في بطنها، وعرضت نفسها على 500 استشاري، حتى استطاع أحدهم بتصوير بطنها بأشعة اكس من اكتشاف مقص جراحي مثبت في نسيج البطن. هذا المقص نسيه الأطباء في بطن المريضة منذ حوالي عشر سنوات، أي أن السيدة تحملت وجود هذا المقص، الذي بلغ طوله 18 سنتيمتراً، وعلاه الصدأ، لمدة عشر سنوات، فحق لها الحصول على تعويض من المحكمة قدره 70 ألف دولار، وأتصور أن هذه السيدة التي تقترب من الستين من عمرها، ستعوض بطنها المعذب على طول صبره عن طريق هذه الغنيمة، بالآيس كريم وكافة أنواع الشوكولاتة، وكل ما يشتهيه هذا البطن، لكي ينسى آلام العشر سنوات. وربما اندهش بعضنا من كيفية تحمل السيدة لمقص طوله 18 سنتيمتراً في بطنها، غير أن سيدة فرنسية أخرى، سبق أن أقامت دعوى منذ سنوات على طبيب أجرى لها عملية جراحية، في مدينة نيس فنسي في بطنها قاعدة حديدية لإحدى أدوات الجراحة طولها 39 سنتيمتراً وعرضها عشرة سنتيمترات ووزنها 900 جرام، ثم بعد حصولها على التعويض، أجريت لها جراحة لاستخراج هذا السكراب من بطنها، إلا أن الطبيب نسي هذه المرة أيضاً مبضع الجراحة، مما جعلها تتألم لشهرين آخرين حتى تم اكتشافه واستخراجه وبما أن أغلب مثل هذه الحوادث التي نقرأ ونسمع عنها، تقع لسيدات وليس للرجال، فإن تفسيراً مثل أن الأطباء لا يطيقون رؤية أحشاء النساء أو شم روائحها، خاصة إذا كانت هذه قد التهمت قبل العملية ما لذ وطاب في مطبخها، أو ربما لا يطيقون صراخها رغم التخدير، فيسارعون إلى إغلاق البطن المفتوح والهروب من غرفة العمليات على عجل، فتقع الكارثة لاحقاً، وتكون مقصاً أو شاشاً أو غير ذلك من أدواتهم. ولكي لا تصدق النساء مثل هذا التفسير، فهو من اختراعنا، فإن مريضاً (رجل هذه المرة) غادر المستشفى بعد إجراء جراحة له، لم يشك من أي ألم في بطنه، سوى أنه كان يشكو باستمرار من العطش الشديد، رغم كميات المياه الهائلة التي يشربها، وبعد المراجعة والفحص والأشعة، اكتشفوا أن الجراح ترك قطعة من الاسفنج في معدته. وبما أننا ننم ونحش في سيرة هؤلاء اليوم، فإن مريضاً آخر، أخذ يتمتم بعد صحوه من التخدير شاكراً الله لنجاح عمليته، غير أن طبيباً بجانبه رد عليه: لا تتفاءل كثيراً ولا تفرح فبعد ساعة سنفتح بطنك مرة أخرى، لأن الجراح نسي قطعة شاش في الداخل، وفي اللحظة نفسها دخل الجراح، الذي راح من فوره يسأل الممرضة: هل شاهد أحد نظاراتي، لقد لبستها وأنا أجرى العملية لهذا المريض، وبعدها لم أعرف أين اختفت! ولكي لا يتحول بطن الواحد منكم إلى مستودع نفايات وشاش ومقصات من مخلفات الأطباء، فيما لو تعرض لعملية جراحية لا سمح الله، على يدي مثل هؤلاء الأطباء فاقترح ما اقترحه مرة مريض ظريف، جاءه الجراح بعد يومين من إجراء عملية له، طالباً منه الاستعداد لعملية ثانية لاستخراج مقص نسي في بطنه، فقال هذا: أرى أنه من الأفضل بعد اتمام هذه العملية أن تضع يا دكتور سحاباً أو أزراراً، بدلاً من الخيوط، لكي يسهل عليك فتح البطن، فيما لو نسيت شيئاً آخر هذه المرة. وبما أن بطوننا وحدها التي تشتغل في عالمنا العربي هذه الأيام فيما بقية أمورنا تعطلت، فإننا ندعو لها بالصحة والسلامة الدائمة، فهي رأسمالنا وما تبقى لنا لنتباهى به وسط العالمين.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.