عبد الحميد أحمد

صمام الأمن الغذائي

صائد الفئران الرسمي للملكة اليزابيث المدعو تريفور لوسون، ليس كأي صياد سمك أو أرانب أو طيور من صيادي العالم الثالث، فهذا خبير في مجاله وعالم في مكافحة الآفات، ما يجعل لكلامه قيمة ومعنى ومستمعين أيضاً منهم أنا اليوم.

فقد حذر لوسون مؤخراً البريطانيين من أن ارتفاع حرارة الأرض تعني زيادة سكان بريطانيا من الصراصير والذباب والخنافس وغيرها من الحشرات ووصول حشرات أخرى من المناطق الاستوائية إلى الشمال الذي سيصبح أكثر دفئاً، ولم ينس في تصريحات لمؤتمر الجمعية البريطانية لمكافحة الآفات مؤخراً ونقلته وكالة رويترز التحذير من خطر انتشار الفئران والجرذان، مجال اختصاصه وعمله، ولابد أنه في قرارة نفسه كان يتمنى انتشار هذه لكي يستمر أكل عيشه ورزقه فلا ينقطع بانقطاعاتها، وإلى هنا فالكلام السابق معقول ومقبول، غير أن زميلاً لصائد الفئران وخبيرها، هو الدكتور ديك فان رايت عالم الحشرات بالمتحف البريطاني للتاريخ الطبيعي، أبلغ المؤتمر أن الحشرات تطور مناعتها ومقاومتها كلما تطورت المبيدات والمواد السامة التي يصنعها الإنسان، وأضاف: إن أكل هذه الحشرات، سيكون هو الوسيلة المثلى للقضاء عليها، يضيف إن العالم الغربي يمكنه إثراء نظامه الغذائي بأكل الحشرات، فهذه تحتوي على بروتينات وفيتامينات وأملاح أكثر مما تحتويه لحوم البقر والدجاج والحليب مع فائدة أخرى لها هي قلة احتوائها على الدهون.

وقبل أن نمضي مع أفكار هذا العالم ننصح القراء بتناول حبة مقاومة الغثيان والقيء، لكي لا تعتصر أمعاؤهم وأحشاؤهم فيقذفون ما بها من أطايب الصباح على هذه الجريدة التي دفعوا فيها درهمين، فرغم أن البشر يرون في الحشرات أشياء مقززة خاصة إذا كانت نوعاً من الطعام، إلا  أنه لا يوجد دليل علمي يؤيد مضار هذه حسب رأي الدكتور فان رايت الذي يقدم أمثلة على أنواع من الطعام الحشراتي في عدة بقاع من العالم، مثل الديدان المحفوظة في صلصة حارة بجنوب أفريقيا ومثل الدبابير المشوية والبق المائي الذي يؤكل في تايلاند ومثل الجنادب المكسوة بالشوكولاتة في بعض أنحاء الولايات المتحدة، ومنها أيضاً اليرقات المحمصة في أستراليا. غير أنه إذا كان على البشر أن يأكلوا ما يعجزون عن مقاومته كوسيلة لمكافحة آفاتها، فإن معنى هذا أن يأكلوا أشياء أخرى كثيرة عجزوا عن مقاومة شرورها، فهل ننصح إخواننا العراقيين مثلاً أن يأكلوا صدام حسين لأنهم عجزوا عن صد قمعه لهم؟

ونعود إلى كلام هؤلاء، فنقول إن الواحد منا إذا فتح بعد الآن باب الحمام ورأى في زاوية منه صرصوراً يقلب شاربيه وينظر إليه في تحدٍ فلا يستعجل دعسه وقتله، بل عليه أن يبتسم له ويترفق به، فهو إذا قرف من أكله، فإنه يصلح للتصدير إلى الغرب، الذين نتوقع منهم، بعد أن يثقوا في كلام علمائهم، أن تكون الحشرات مصدراً لغذائهم فيستوردونها بكميات كبيرة من الدول الحارة.

وبما أننا في الوطن العربي من المناطق الحارة، وعندنا من الحشرات ما شاء الله صراصير وذباب وبعوض وبق وقمل وفئران وغيرها فإن كل هذه تشكل ثروة حين نصدرها إلى بريطانيا وأمريكا وفرنسا، نحصل بدلاً منها على دولارات وعملات صعبة تساعدنا في خطط التنمية خاصة أن ما عندنا منها سمين وغني بالبروتينات والمعادن، فوفرة ما تتغذى عليه من أوساخ ومجارير وقاذورات في الشوارع والأحياء، ما يجعلنا نتوقف ونتراجع عن مهاجمة وانتقاد المجاري الطافحة والمستنقعات والأوساخ، باعتبارها الدليل على فشل التخطيط والتنمية، فذلك ليس إلا قصر نظر منا. غير أنني شخصياً أتوقع أن يعرض اقتراح تصدير حشراتنا فطاحل خبراء الاستراتيجية العربية الذين سيطالبون بالحفاظ على ثروتنا القومية هذه في عقر دارنا، فهي صمام الأمن الغذائي لنا، فيما لو منع العالم عنا استيراد القمح والذرة والمواشي والدواجن، وكل شيء آخر عجزنا عن زراعته أو تربيته أو إنتاجه عندنا، فبطوننا أولى بحشراتنا، التي نجحنا في تحقيق مخزون أمني منها، ينفعنا في اليوم الأسود.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.