عبد الحميد أحمد

التنقيط ممنوع

من حظنا أن عند بلدياتنا مفتشين، يشبهون عملاء السي. آي. إيه والسكوتلانديارد، ينتشرون على عكس أولئك العملاء الذين لا نعرف لهم فائدة مباشرة، في أسواق الخضرة والفواكه واللحوم، ويجولون على البقالات والمخابز ومحلات الحلاوة والأغذية، ولا يتركون مطعماً من دون رقابة، وإلا كنا اليوم فريسة سهلة للغشاشين، الذين يزيدون من زبائن العيادات الخاصة والمستشفيات، ومن مستهلكي منظفات البطون وأدويتها من السموم والمواد الفاسدة، وهؤلاء المفتشون يقومون بواجبهم على أكمل وجه، يشهد على ذلك، ما نقرأه بين حين وآخر عن مخالفات وجزاءات تفرضها البلديات على عدد من المحلات والمطاعم كل شهر، ومنها إغلاق بعضها لحين أو بشكل دائم. ولولا هؤلاء وأنوفهم التي تشم الغش والتحايل من على بعد فرسخين كما يفعل أبو كلبشة إذا كنتم تذكرونه، لكانت حالنا غير حال. غير أننا لم نعرف إلا مؤخراً أن عند البلديات عيوناً ساهرة في الفنادق والملاهي، تراقب أموال الناس من الطيش والهدر، وتهتم بصحة جيوبهم من اللطش المشروع وعلى المزاج، مما يرفع مقدار هؤلاء المفتشين في أعيننا. فقد قرأنا أن فندقاً تعرض للمخالفة، لأن فنانة تعمل لديه من دون ترخيص، ولأن زبوناً نقط رقاصة (وحتى قراءة الخبر لم يكن معلوماً أن التنقيط ممنوع). وبعيداً عن السؤال: ما إذا كانت البلديات هي التي تمنح الفنانات تراخيص العمل وتمتحنهن قبل السماح لهن بمزاولة مهنة هز الوسط العريقة، كما تمنح الحلاقين والخياطين والتجار والبنشرجية تراخيص العمل، فإننا نؤيد ما تقوم به إذا كان فيه مصلحة للناس، خاصة الذين لا يعرفون مصلحتهم، ولا يميزون بين رقاصة أصلية أو رقاصة مدعية، فتحميهم من الرقاصات المغشوشات، غير أن ما نخشاه هو بوار مهنة الرقص سريعاً، إذا حددت البلديات شروطها ومواصفاتها، لكننا نتجاوز هذه النقطة إلى غيرها، نراها أكثر ضرراً بالرقاصات وبمهنة الرقص. فلو حدث أن قلدت دول أخرى منع التنقيط، خاصة الدول العربية المصدرة للرقاصات، فإن معنى ذلك خراب بيوت هؤلاء الفنانات، اللواتي لا تعيش الواحدة منهن على ما تتقاضاه من الكباريه أو الملهى، قدر اعتمادها، من بعد وسطها طبعاً، على هذه النقوط التي يجود بها المغرمون والمعجبون، وعشاق الليل والسهر والليل دان والآه يا عين، وهي نقوط غير معلومة وغير محددة، تفلت بها الفنانة من مطاردة مصلحة الضرائب في بلدها، لتشكل في النهاية ثروتها الفعلية السرية، التي تجعل منها في غضون أقل من عام معلمة كبيرة وذات مال وجاه ومركز اجتماعي، وسمعة لا حدود لها، وسيدة مجتمع من الطراز الأول. ولا ندافع بهذا الكلام عن الرقاصات، فأنا لست محامياً للشيطان، غير أننا ندافع عن الاقتصاد العربي أولاً وجمهور الكباريهات والملاهي الليلية ثانياً، الذي لو بارت في بلاده مثل هذه المهنة، لبحث عن مثيل لها في بلاد الخواجات، ولصار ينقط هناك أضعاف ما ينقطه في بلاده، على اعتبار أن اللي يحب ينقط، ينقط على كيفه، وهذا يعني طبعاً هدراً للإمكانيات الاقتصادية وهروب جزء من الأموال إلى الخارج، فتصيبنا نكسة أخرى، على ما نحن عليه من نكسات، ولن نضيف أن رقاصاتنا أحق بأموالنا من رقاصات الخواجات، فهذا أمر مفروغ منه، ولا جدال عليه، فضلاً عن أن رقاصات الخواجات لا يصل مستواهن إلى نص مستوى ما عندنا.

وقبل أن يقر أحدكم ويحسد المفتشين الليليين على مهنتهم الجديدة هذه، التي نتوقع التنافس الشديد عليها، حيث المفتش يسهر ويتفرج ببلاش وآخر السهرة يحظى بوجبة عشاء فاخرة، نختم مزاحنا اليوم بقصة إحدى الراقصات من التي تزوجت معجباً بها كان يكثر من التنقيط، تقابلت مع صديقة لها، فسألتها هذه: ما هي أخبارك مع فلان؟ فردت عليها: لقد جلب لي وجع الدماغ منذ تزوجته، فالناس يقولون إنني تزوجته لفلوسه، فسألت صديقتها: وبعدين؟ فقالت الراقصة: اضطررت إلى أن أطلقه بسبب فلوسه أيضاً، فاندهشت صديقتها وسألت: لماذا؟ فقالت الراقصة: لأن فلوسه خلصت!

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.