عبد الحميد أحمد

الصحافة في البرلمان

لوحظ النائب اللبناني (الصحافي) باسم السبع منهمكاً في تسجيل ملاحظات قبيل بدء الجلسة الأولى لمجلس النواب اللبناني الجديد التي انعقدت منذ أيام قليلة لانتخاب رئيس المجلس.

ولاحقاً كشف عن محتويات الورقة التي سجلها، فجاء فيها ما يلي:

* عمائم عدد 3 (المقصود ثلاثة نواب يمثلون حزب الله).

* ذقون أصولية عدد 8 (نواب حزب الله + نواب الجماعة الإسلامية).

* ذقن قومية عدد واحد (النائب أسعد حردان).

* ذقن أملية عدد واحد (النائب محمود أبو حمدان من حركة أمل).

* ذقن أممية عدد واحد (النائب زاهر الخطيب).

* سكسوكة عدد 2 (النائبان عصام نعمان واسطفان الدويهي).

* جلباب أصولي عدد واحد (فتحي يكن عن الجماعة الإسلامية).

* جينز عدد واحد (وليد جنبلاط).

* سيدات عدد 3 (بهية الحريري ونائلة معوض ومها خوري).

ولابد أن باسم السبع، كانت أصابعه تتحرق شوقاً لكتابة مقال صحافي، من تلك المقالات التي درج على كتابتها في صحيفة السفير لسنوات طويلة، حيث ظل يعمل فيها منذ صدورها حتى انتخابه مؤخراً للبرلمان اللبناني، فكان أن سجل تلك الملاحظات الطريفة.

ومثل باسم السبع هناك ما يقارب ثمانية آخرين من حملة الأقلام والصحافيين والكتاب دخلوا لأول مرة البرلمان اللبناني، وهم من الوجوه الثقافية والأدبية والإعلامية المعروفة في لبنان، كأحمد سويد وحبيب صادق وجوزيف مغيزل وغيرهم، ما يعني أن كل هؤلاء ربما تخسرهم الساحة الثقافية لحين، وهم يعملون من خلال مواقعهم البرلمانية الجديدة لصالح الشعب، ولصالح الشعارات التي وعدوا بها ناخبيهم، بحيث لا تكون تلك الشعارات مجرد جسر للوصول إلى ساحة النجمة، حيث يقع البرلمان، فتكون وبالاً عليهم ومحرقة لهم، فيما إذا فشلوا في مهماتهم وخدماتهم ودورهم. ووصول أمثال هؤلاء المثقفين، وفيهم من يشهد له بالنزاهة والكفاءة والشعبية الواسعة، حدث لأن ثمة تغييراً واسعاً جرى في تركيبة البرلمان (تعكس تغييرات في الواقع وعلى الأرض)، الذي ظل على حاله عشرين عاماً، هي سنوات الحرب الأهلية وإفرازاتها ومقدماتها، وشمل التغيير أيضاً دخول قوى جديدة في الساحة السياسية كأعضاء حزب الله، الذين كان السفير الأمريكي في لبنان يشرئب بعنقه ويحدق فيهم عند تلاوة أسمائهم في قاعة البرلمان، كأنه ينظر إلى مخلوقات جاءت من كوكب آخر، لكي يتعرف عليهم واحداً واحداً، فهي المرة الأولى التي يضم سقف واحد دبلوماسياً أمريكياً مع عناصر من هذا الحزب. ومثلما في لبنان، فإن البرلمان الكويتي، عكس مثل هذا التغيير، بدخول عناصر على تماس بالوسط الثقافي والإعلامي، وإن كان بعضهم عضواً سابقاً في مجلس الأمة لعام 85، وأبرز هؤلاء النائب الوزير الدكتور أحمد الربعي، والنائب الوزير علي البغلي، اللذان كانا يكتبان عمودين يوميين في كل من جريدتي القبس والوطن على التوالي، يعكسان فيهما آراءهما ويعبران عن مطالب شعبية عبرهما. وبما أن للمثقف وللصحافي سلوكه الخاص الذي يميل إلى البساطة والتواضع والشعبية، خاصة إذا كان مثل هذا الصحافي أو المثقف، جاء من وسط شعبي، وكنتاج لعمل مباشر مع الناس وبين الناس، فإن المتوقع أن يعطي هؤلاء صورة غير معروفة سابقاً للمسؤول، وزيراً كان أو مديراً أو سياسياً ما، تبتعدُ عن مظاهر التكلف والترفع والأبهة السائدة عند السياسيين العرب، وهي المظاهر التي تبعدهم عن الناس وتخلق بينهم حاجزاً، يتطور إلى عداء وكراهية، بدلاً من التعاون والمحبة. وكتب محمد مساعد الصالح يمازح الوزير الربعي قائلاً: إنه لن يندهش لو رأى الناس الوزير يقف أمام باب الوزارة يحادث البواب الصعيدي عن ذكرياته في مصر، وهكذا فإن الوزير الربعي، بدلاً من أن يتوجه في الأيام الأولى إلى مكتبه في الوزارة، توجه إلى المدارس، حيث التقى الطلبة والأساتذة والأهالي، من دون أن يعدهم بــ «سوف» المعروفة، وإنما اكتفى بتوجيه الأسئلة حول الصعوبات التي يواجهونها، والعادة في العالم العربي، أن يبدأ الوزير فوراً بتغيير طقم مكتبه وأثاثه وديكوراته لزوم الفخامة والفخفخة قبل أي شيء آخر، ثم يقضي سنوات في هذا المكتب، من دون أن يزور حتى مكاتب وزارته، وليس ميدان خدمات الوزارة وقطاع عملها. ولهذا ربما نرى مفارقات لم نألفها في العمل الوزاري والنيابي على أيدي مثل هذه النخبة من حملة الهم الثقافي والإعلامي، ما يجعلهم يقربون العمل العام إلى فهمه الصحيح، كونه تكليفاً ومسؤولية، لا تشريفاً ولا منحة، ما يرفع بالتالي مقام زملائهم العرب من الكتاب والإعلاميين، في أعين الناس، التي تراهم حالياً مجرد ثرثارين يقولون ما لا يعملون، ونقول عن كلامهم، كلام مثقفين، والقصد أنه بلا معنى، وجوده مثل قلته.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.