عبد الحميد أحمد

مؤتمر سلام تربوي

ربما احتاجت وزارة التربية والتعليم، ابتداءً من العام المقبل، إلى تنظيم مؤتمر سلام، ثنائي ومتعدد، مهمته الرئيسية من بعد إحلال السلام والوئام وإنهاء الزعل والخصام، فيما بين الطلبة من ناحية، ومدارسهم

ومدرسيهم من ناحية ثانية، تطبيع علاقات الطرفين، من النواحي النفسية والثقافية والاجتماعية، والوصول إلى اتفاقات عدم تدخل واحترام كل طرف سيادة الطرف الآخر، فلا يشن عليه حروباً، بالبوكسات أو بالكلام، ويراعي كل جانب مصالح الجانب الآخر.

ولا بأس، لو فكرت التربية في هذا الأمر وعقدت العزم عليه، أن تنظم مثل هذا المؤتمر في جنيف وباريس وروما وطوكيو وواشنطن، (ومن المتوقع أن يطالب تلاميذنا ببانكوك كمكان لهذا المؤتمر)، مستغلة بذلك عطلة الصيف، وأن تستعين أيضاً بمراقبين محليين ودوليين، لضمان نجاح المؤتمر وتوصل المفاوضات فيه إلى نتائجها المرجوة، تحت شعار «يا سلام سلم».

فواضح أن هناك حرباً خفية بين الطرفين، فلا المدارس أصبحت تطيق تصرفات الطلبة وسلوكياتهم وأخطاءهم، فهي مشينة وصارخة، ولا الطلبة أنفسهم يحترمون المدارس وقرارات المدرسين وتوجيهاتهم، يخرجون عليها كل حين، وكلما أمكنهم ذلك، بزعامة قيادات طلابية تتفنن في هذا الخروج، ما نتوقع معه أن يرفدوا مضمار السياسة العربية بعد سنين من الآن بزعامات تاريخية تلغي وتتجاوز ما مر على العالم العربي حتى الآن من زعامات، رأينا أعمالها وإنجازاتها فشابت رؤوسنا ورؤوس الولدان أيضاً منها.

ففي أقل من شهر قرأنا عن طالب يبطح مدرسه أرضاً ويعطيه علقة ساخنة، وعن آخرین کتبوا على جدران مدرستهم شعارات تسب المدرسين، وعن آباء وأمهات على مقاعد الدراسة ضبطوا متلبسين وهم يغشون في الاختبار، ما يجعل هذه الحرب حرباً عامة شاملة، يشترك فيها الطلبة مع آبائهم، هذا عدا ما نسمعه بين حين وآخر عن ممارسات لا تصل أخبارها إلى الصحافة والرأي العام، لأنها من النوع الذي ينطبق عليه مصطلح يندى له الجبين، أي يتصبب عرقاً من الحياء والخجل.

وقبل أيام وصلنا إلى مكاتب الجريدة (ربما بمناسبة اقتراب موسم الامتحانات) ما يشبه الشعر، جادت به قريحة طلاب موهوبين، لا فضت أفواههم، بعنوان «دعاء الطالب الكسول» فيه نصائح وأدعية موجهة للطلاب طبعاً وللمدرسين أيضاً، تكشف عن هذه الحرب السرية، نقتبس لكم منه بعض طرائفه، لكي لا يكون کلامنا في الهواء:

يقول الدعاء: اللهم احرق دفتر العلامات وحول الأصفار إلى مئات، اللهم كثر من البطيخ وعذب معلم التاريخ واحذفه إلى المريخ، اللهم عذب معلم الإنجليزي واجعله علبة سردين في الشارع الرئيسي، اللهم احرق المدارس ولا تجعلها علينا کفارس واجعلها مخازن للملابس.

اللهم عذب معلم الأحياء والعلوم واحصره بين المريء والبلعوم، اللهم كثر من الأغبياء وعذب معلم الكيمياء واجعله سخرية للأحياء، اللهم عذب معلم الفرنسي واكسر على ظهره الكرسي، اللهم عذب معلم الجغرافيا لأنه كان عضواً في ألمانيا، اللهم عذب معلم الحساب وأحبسه في السرداب.

ثم ينصح الدعاء الطلبة: خذ الصفر ولا تبالي لأن الصفر من شيمة الرجال، إذا صفعك المدرس باليمين فرد عليه باليسار، إلى آخر هذا الكلام، الذي جعلني شخصياً أحمد الله أنني لم اطلع مدرساً، كما يجعلنا نتساءل عن تصرفات المدرسين مع طلبتهم حتى يستحقوا مثل هذا الدعاء ومثل هذا التشويه والتحريض.

ما يحق لهم معه عدم الذهاب إلى المدارس إلا ومع كل واحد فيهم حراسة مشددة لحمايتهم من البطش المحتمل.

غير أننا نختم بالقول إن ثمة انتفاضة طلابية كامنة ضد المدارس والمدرسين، هذه بعض بوادرها، ما يجعلنا نطالب التربية بسرعة عقد مؤتمر السلام المقترح قبل فوات الأوان، على أن يشارك فيه أولياء الأمور في دور الشريك النزيه الكامل بدلاً من دور الشريك النائم، حالياً.
عبد الحميد أحمد

مؤتمر سلام تربوي 

6/5/1993