صار القتل في زماننا أسهل من تقشير تفاحة، أو شرب كوب ماء، ولا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ أكثر من خبر عن جرائم قتل بشعة تلف العالم.
غير أن الملاحظ أن ثمة اختلافاً في الجرائم، فلم يعد القتل بسبب السطو والسرقة أو الثأر أو المشاجرات هو السائد، كما كان الحال سابقاً، فقد دخل على خط الجريمة، قتل الآباء والأمهات والشقيقات والأولاد، أي قتل الأقارب من الدرجة الأولى، ببرود وبلا أدنى حس من ندم أو شفاعة لقرابة الدم.
وفي حوالي أسبوع أو أقل، قرأت الأخبار التالية، مما أمكن متابعته والعثور عليه:
– ماليزي في طوكيو يلقي بطفله الرضيع من الشرفة.
– هندي، بسبب كونه عاطلاً عن العمل يقتل زوجته وأطفاله.
– لبناني يذبح زوجته أمام أطفالها الستة.
– سوري يقتل شقيقته في حلب للشبهة في سمعتها.
– تونسي يقتل مطلقته ويمزق جثتها ليوزعها قطعاً في أماكن مختلفة.
– أولاد بالتعاون مع أمهم في مصر يصعقون والدهم بالكهرباء لليأس من شفائه من مرض.
– لبناني يبيع طفله على طاولة قمار (وهو قتل من نوع آخر).
وقبل ذلك قرأنا من هذه النوعية من الأخبار الكثير، سواء في أوروبا أو آسيا، ونلاحظ أن لبلداننا العربية نصيباً كبيراً في مثل هذه الجرائم، التي يقشعر لها بدن كل إنسان سوي ويتقزز من بشاعتها، وما زلنا نتذكر قتل الزوجات في مصر لأزواجهن بالساطور وأكياس البلاستيك الشهيرة.
وإذا أضفنا إلى ذلك ما نسمع عنه ونقرأ من جرائد أخرى، نصل إلى قناعة في أن الناس اليوم يعانون من فلتان الأعصاب، وضيق الصدر، وعدم القدرة على التحمل، ما يجعل من القتل عندهم حلاً لمشكلاتهم، ونهاية لبؤسهم، وإن كان ذلك على حساب أقرب الناس إليهم.
إلا أن نسبة مثل هذه الحوادث في عالمنا العربي، وعالمنا الثالث، أكثر من غيرها، مما قد يفسر مقدار الإحباط الذي يعاني منه شعوب هذه البلدان، نتيجة أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية المتردية، وبالتالي فقدان الأمان والثقة في المستقبل، إضافة لما تسببه تلك الأوضاع من قمع وكبت وقهر، ينفجر بأشكال مختلفة، منها هذه الجرائم الوحشية.
ولا نريد أن نشتغل محللين اجتماعيين أو نفسيين، ونترك الخبز لخبازه، غير أننا نضيف لذلك، نوعاً آخر من القتل، نكبت به بعض بلداننا العربية كمصر والجزائر، على نحو ما نرى من أعمال إرهابية وتفجيرات يقوم بها متطرفون، يوجهون أسلحتهم لأبرياء من الأهل والناس الآمنين، ما يجعل جرائمهم لا تختلف في بشاعتها عن جرائم قتل الأقارب، وما يضاعف على هذه الدول مسؤولية الأمن وحفظ الاستقرار وتوفير الأمان لشعوبها والمقيمين فيها.
ونحمد الله، أن بلادنا، بفضل ما تعارفت عليه، لم تعرف بعد مثل هذه الجرائم، خاصة القتل منها الذي نعتبره وافداً ومستورداً، لم يألفه الناس من قبل، حتى أنهم لا يتصورون إمكان إقدام أي شخص هنا على ارتكاب مثل هذه الجرائم المروعة.
ولكي يستمر مثل هذا الأمن، ينبغي أن تكون العقوبات مضاعفة ومشددة ومبكرة أيضاً، فتردع كل ذي ميول عدوانية، لذا، كانت الأحكام الصادرة أمس بإعدام بعض القتلة والمغتصبين في هذا السياق حيث شملت لأول مرة مواطنين، ما نأمل معه اتساعها لتشمل مجرمين آخرين لا يقلون خطراً عن غيرهم، ونعني بهم تجار المخدرات ومروجيها، فلنا في القصاص حياة.
13/5/1993
لنا في القصاص حياة