عبد الحميد أحمد

أول الرأسمالية … عري

تتوقع الدول التي كانت اشتراكية، أن تهبط عليها الدولارات والاستثمارات. وأن تغرق بالفلوس، بمجرد إعلانها التوبة، وعزمها التحول إلى اقتصاد السوق.

غير أن الرأسمالية لها شروطها. وللفلوس منطقها وطريقتها في التعامل مع هذه الدول، التي تحلم بتحول مدنها في ليلة وضحاها إلى باريس ولندن وطوكيو ونيويورك ومدريد واستكهولم. ولذلك سوف يمضي زمن ليس بقصير على هذه الدول. قبل أن تنال ما تتمناه، فأول الرأسمالية ليس فلوسها، بل أخلاقها وسلوكياتها، ما نتوقع معه وصول الإيدز وتوابعه مبكراً إلى هذه الدول وبأسرع من وصول الدولار والمارك والاسترليني.

لذلك، تبدأ هذه الدول المنهارة، التي صار بعضها معروضاً للبيع بالجملة والمفرق، بتقليد الغرب ومحاكاته، ومن دون ذلك، لا يمكن للغرب أن يغامر بأمواله ووضعها في سلة هذه البلدان. وهي سلة «مخرومة» كما يبدو.

وأول ما نلاحظ، أن تعلن هذه الدول عن مسابقات لاختيار ملكات الجمال، إذ لابد من أن يعرف رجال الأعمال والمستثمرون وبقية العالم، أن في هذه الدول نساء جميلات، على عكس ما كانوا يتصورونه إبان الحكم الاشتراكي، إذ كانت الصور تظهرهن عاملات في ثياب المصانع وفلاحات متخلفات أو عاملة نظافة عبارة عن كتلة ضخمة من الشحم واللحم تمسك بيدها مكنسة طويلة لزوم الشغل.

وآخر دولة اشتراكية انضمت إلى هذه الحفلات ألبانيا، التي نقلت المسابقة على الهواء مباشرة، لولا أن الكهرباء انقطعت عدة مرات، فأفسدت النقل، ومع ذلك، فالكهرباء ليست مهمة الآن في مرحلة التحول هذه، بقدر أهمية أن يعرف العالم أن في هذه البلاد نساء حلوات ومتحضرات، يليق بهن أن يصبحن جزءاً من عالم الغرب… واستثماراته.

وقبل ألبانيا، اختارت موسكو واورسو وبراغ وكييف وغيرها من عواصم العالم الاشتراكي المنهار جميلاتها، فهن رسل المحبة إلى الغرب، ومفتاح الوصول إلى عالمه المزدهر، وتمضي الصين حالياً في الطريق نفسه، رغم أن مثل هذه الحفلات كانت ممنوعة فيها سابقاً، حتى أن خبراً قرأناه مؤخراً عرفنا من خلاله أن الصينيات المغمضات ما زلن مترددات في الاشتراك في حفلات العري وعرض الأجساد هذه.

بعد مسابقات الجمال، لابد أن تتعود شعوب هذه البلدان لبس الجينز، وأكل الوجبات السريعة كالمكدونالد والويمبي والبيتزا، فكيف تكون عندهم رأسمالية من غير الجينز والكنتاكي؟

علاوة على ذلك، تبقى الرأسمالية ناقصة من دون عروض أزياء كوكو شانيل وايف سان لورا ونيناريتشي وغيرهم، وهي تظل غير مكتملة بالطبع بلا مقاه وحانات تعمل فيها نساء نصف عرايا، على طريقة كباريهات الغرب ومراقصه الديسكو، وإلا فكيف يمكن تشجيع المستثمرين على المغامرة بإقامة مشروعات وهم لا يجدون الخدمات التي تعودوا عليها في بلدانهم الغربية الصناعية، من خمس نجوم وطالع؟

وقرأت مؤخراً على رجل أعمال أمريكي جذبه إعلان في موسكو لارتياد مطعم تعمل فيه نساء شبه عرايا، إلا أنه شاهد إحدى العاملات تكشف عن ثدي واحد، فيما تستر الآخر بقطعة قماش، فسأل مدير المطعم: كيف تدعون أن عاملاتكم يكشفن كل شيء فيما هذه تكشف نصف صدرها؟ فرد عليه المدير: إنها تعمل بارت تايم يا سيدي؟

بعد ذلك، سيكون على هذه البلدان، السماح للشاذين جنسياً بحرية تقرير المصير، وحرية الانتخاب وإقامة الجمعيات وممارسة حقوقهم الشرعية، وإلا فإنها ستكون تحت طائلة انتهاك حقوق الإنسان، مما يتعارض مع حرية الغرب وليبراليته، وهما شرطان للتحول إلى اقتصاد السوء بلهجة إخواننا المصريين، أي السوق.

إلا أن الذي نراه حتى الآن، أن هذه الدول وهي تلبي متطلبات السوق (والأحرى البنية التحتية له) يتحول البشر فيها إلى جوعى أكثر، فيمرون من أمام محلات الوجبات السريعة وهم يشتهون طبقاً من البطاطا المقلية، فلا يقدرون على دفع ثمنه، مما يجعلهم يكتفون بشم الرائحة، فذلك حدهم من الرأسمالية وجنتها.

 15/5/1993

أول الرأسمالية … عري