عبد الحميد أحمد

قماشة بنت أشكول

قلنا قبل عامين، وقبيل بدء محادثات مدريد للسلام، إن الذي في خاطره شتم إسرائيل أو انتقادها، فليفعل

ذلك الآن، لأنه متى ما وقعنا اتفاقات سلام معها، أو كنا على وشك التوقيع، سيكون محظوراً انتقادها أو حتى غمز قناتها، خاصة بعد أن تكون مشمولة بمعاهدات ومواثيق تعتبرها دولة منا وفينا.

وواضح أن ما ذكرناه في حينه تجاوز قدرتنا على التخمين وصار أمر إرضاء إسرائيل وتجنب غضبها مفروضاً بأسرع من حركة السلام، وحتى قبل إقراره، بدليل العقوبة التي فرضت على صحيفة «السفير» بإغلاقها أسبوعاً لنشرها مشروعاً إسرائيلياً للاتفاق مع لبنان، مما أغضبها وأثار زعلها، وهو ما لا يتحمله بلد كلبنان، حتى لو كان هذا حتى الآن بلد الحريات، خاصة حرية الرأي والصحافة.

ولو سارت الأمور على هذا النحو في أكثر من بلد عربي غير لبنان، فإنه سيكون على الصحفيين إما إغلاق دكاكينهم، أو البحث عن دولة أخرى يمكن نقدها (وهذه كما نعرف غير متوفرة، حتى جنوب أفريقيا صارت من الأصدقاء)، أما إسرائيل التي ستصبح عما قريب دولة شرق أوسطية، فسينطبق عليها ما ينطبق على أي دولة صديقة وشقيقة، فلا يجوز لصحفي تجاوز حدود الأدب معها، ومسها بحرف من ريشة قلمه.

وعلى ذلك، فقد حضرت نفسي من الآن لمثل هذا اليوم القريب، وقررت عند أول إشارة باقتراب التوقيع على المعاهدات السلمية مع إسرائيل، الكتابة في شؤون الطبخ وكيفية إعداد الوجبات الشهية ومساعدة ربات البيوت في كل ما يتعلق بشؤونهن، وبشؤون الأزياء والعطور وترتيب ديكورات البيوت، ولو نافست في ذلك مقدمات برامج المرأة في التلفزيونات، أو المجلات النسائية، فذلك المجال هو الوحيد المتبقي والمتاح أمامنا، فيجعلنا في جانب الأمان والسلامة، ولو تحملنا زعل الحريم علينا، فهذا مقدور عليه مقارنة بزعل الست إسرائيل.

وربما كان علينا، من بعد ذلك، أن نسمح للإسرائيليين باستخدام أسمائنا، فيكون عندهم سعيد بن شلومو بن اليعازر، وقماشة بنت أشكول، وفتحي ليفي كوهين، وزينب بنت ایجال بن ألون، لأنه لا سلام من غير تطبيع، وبالمقابل يكون إلزاماً علينا أن نستخدم أسماءهم، فأسمي بنتي القادمة (إذا رزقني الله ببنت) راحیل عبد الحميد أحمد، أو كان ولداً فأسميه عوزي، ويسمي جاري ولده هداس محمد المنصور أو بنته جولدا سالم سعيد، وهكذا، فنصير حبايب، وعسل ولبن.

ثم على أولادنا أن ينسوا ما تعلموه في المدارس، فنطبع لهم كتباً جديدة فيها أن إسرائيل دولة شرق أوسطية عاصمتها القدس (طبعاً لن نقول العربية لأنه لن يكون معترف بهذه الصفة بعد الآن)، تربطنا بها علاقات تاريخية وطيدة، وقرابة دم، فهم أبناء العم. يجمعنا وإياهم مصير مشترك ومصالح متبادلة.

ثم نذكر، بما سبق أن قلناه مراراً في مناسبات مختلفة، بأن الإسرائيليين يعرفون ما الذي يريدونه من السلام، ويخططون لما بعد السلام، وثمة مراكز بحث ودراسات تعد الأفكار والمشاريع لما هو مقبل. بما في ذلك المشروعات الاقتصادية والسياحية والكهربائية والمائية وغيرها، ذكرنا بعضها في حينها، فيما نحن لم نسمع بعد عن طرف عربي فكر جيداً لمثل هذا اليوم، ولا خطط له، ما يجعلنا مجرد اتباع لما يرسم لنا، نبصم عليه ولا نملك رده، فنكون بعد حين مجرد مستهلكين لما تنتجه المصانع الإسرائيلية، التي يشتغل بها عمالنا، وتدار برؤوس أموالنا بالخبرة والتكنولوجيا الإسرائيلية، ومن دون ذلك لن نعرف السلام، ولا نحصل على حقوقنا، وهو الذي أعدت له إسرائيل، وإلا فلنشرب من البحر الميت أو الأحمر أو الأبيض أو الأسود، وعلينا الاختيار.

وربما يرى البعض فيما نقوله مبالغة ومغالاة، مما ندعوهم معه لانتظار الغد، الذي هو لناظره قريب، لنعرف عندها الحقيقة، لو أمدنا الله عمراً، فأول السلام على هذه الطريقة كما ترون هو منع انتقاد إسرائيل وشتمها، مما رأينا قطره، ومع ذلك لا نملك كل حين سوى التذكير، لعل الذكرى تنفع المؤمنين، لولا أن المؤمنين اليوم قلة ويتساقطون كما يهر الشعر من رؤوسنا.

 18/5/1993


عبد الحميد أحمد

جيوب أنفية لإحلال السلام

قماشة بنت أشكول