عبد الحميد أحمد

ديناصور ذهبي

ديناصور ذهبي – جزى الله المصححين عنا خيراً، فأخطاء هؤلاء ليست دائماً من النوع القاتل، بل إن كثيراً منها من النوع الخفيف اللطيف، وزادوا عليها أمس نوعاً آخر، هو الذي يفتح الخيال ويطيّر الأحلام في الهواء مثل البالونات الملونة، ويشرح النفس والصدر، ولو كان كذباً، فهو من الذي تقول عنه الأغنية أكذب عليه، الكذب مش خطيه.

فقد صار الدينار الذهبي أمس، في عنوان الخبر من مصر، ديناصور (حتة واحدة) ذهبياً، تم العثور عليه في الشقيقة أم الدنيا، فيا فرحتنا نحن وإخواننا المصريين معاً، ومن ورائنا كل العرب.

وشخصياً توقفت بعد قراءة العنوان عن قراءة الخبر، الذي نشر على عمود في الصفحة الأخيرة، مع أنه يستحق أن يكون مانشيتاً في الأولى، فقد شطح دماغي بعيداً، ورحت أفكر في كيفية التصرف بالديناصور الذهبي هذا، وكيفية تدبير أمره، ورأيتني بعد حين أفكر فيما يلي من الذي سوف أسجله بعد قليل، ربما أفاد عاطف صدقي وأعانه فأنال الثواب والجزاء من الله:

* الذيل يحل مشكلة الديون الخارجية مرة وللأبد، فترتاح مصر من صندوق «النكد» الدولي وبنك التعمير، ونادي باريس (طبعاً ليس الرياضي)، وكافة الديانة الآخرين، فيحل هؤلاء عن ظهرها ويفرجونا عرض أكتافهم غير مأسوف عليهم.

* الفخذ اليمنى نستخدمها للإصلاح الزراعي، ومشاريعه الجبارة، وزراعة الصحراء، بمد مياه النيل إليها، فتعمر أرض الكنانة بالقطن والأرز والتفاح والبرتقال والمانجو والبصل وغير ذلك، مما تصدره إلى الوطن العربي والعالم فيساهم في دعم موارد الميزانية.

* الفخذ اليسرى للمشروعات الصناعية الجبارة، من سيارات وحديد وصلب وإليكترونيات وسلاح، فلا نبيع القطاع العام للتجار ورجال الأعمال برخص التراب، بل نطوره ونشغل فيه آلاف الخريجين والخريجات.

* الساق والقدم اليمنى، تبنیان آلاف الوحدات السكنية في المدن والقرى، وتوزعهما بالمجان على الباحثين عن شقة الزواج (أو الطلاق) فتحل أزمة السكن العشوائي وغير العشوائي.

* بالساق والقدم اليسرى، نمد شبكات وخطوط المواصلات البرية والبحرية والجوية، من قطارات ومترو أنفاق وباصات وطائرات وسفن، علاوة على ما هو موجود، فيركب كل مواطن مرتاحاً ولا يتعرض للنشل أو للشتم، ولا تتعرض السيدات للقرص والمضايقات.

* أصابع القدمين اليسرى واليمنى، نحل بكل إصبع مشكلة، فإصبع لمكافحة الإرهاب والتطرف، وآخر لدعم الخبز واللحم وتخفيض سعرهما، وثالث لضحايا الريان والشريف، ورابع لإسكان المتضررين من الزلزال، وخامس لبرامج تحديد النسل.. وهكذا.

* ويبقي عندنا فوق ذلك أكثر من نصف الديناصور، فتخصص مصر المحروسة الصدر مثلاً للمساعدات الخارجية، خاصة للدول المنكوبة على رأسها، كالسودان والصومال وغيرهما، فتمدهما بالمدرسين والمهندسين والأطباء والخبراء، كما كانت تفعل معنا في دول الخليج قبل النفط، وبالمشروعات الكبرى أيضاً من طرق ومدارس ومستشفيات، تحقيقاً لدورها القوي الكبير، وكونها قلب العروبة والشقيقة الكبرى، وهو ما نعترف لها به، قديماً وحاضراً ومستقبلاً، وهكذا يتم توزيع بقية الديناصور، لبناء الجيش والشرطة ومختلف الاحتياجات الأساسية، على أن يبقى الرأس في خزينة البنك المركزي احتياطياً للأجيال.

طبعاً نحلم بذلك، ولو كان من غلطة تصحيح بريئة، التي تشبه بعد أن قرأنا الخبر وعرفناه، حكاية الونش المسروق، والترمواي المباع، والأهرامات المشتراة، ما يجعلنا نصحو من الأحلام، ونتمنى لمصر كل الخير والتقدم والاستقرار، وأن يرزق الله كل بلد عربي آخر، لا مصر وحدها، بمثل هذا الديناصور الذهبي، ومعه بالطبع الديناصورة، فيستمر الرخاء بلا انقطاع.


ديناصور ذهبي – عبد الحميد أحمد

جيوب أنفية لإحلال السلام

 20/5/1993