عبد الحميد أحمد

اقتصاد الكوافيرات

كوافيرات ألمانيا وحدهن، أقوى اقتصادياً من نصف الدول العربية، فقد قدرت أرباحهن الصافية عن العام الماضي بـ 6.9 مليارات دولار، وهو رقم كما ترون يفوق میزانیات دول بحالها.

أما إذا قارنا أرباح الشركات في ألمانيا، بميزانيات دول العالم الثالث، فسنعجب كيف لا يكون لهذه الشركات أعلام وإذاعات وأناشيد وطنية وبرلمان، طالما هي أقوى من دول تجعجع إذاعاتها بالإنجازات والمشروعات لمواطنيها 20 ساعة في اليوم.

وزمان كان معيار القوة لكل دولة، كم تملك من الرؤوس النووية والصواريخ عابرة القارات والراجمات والدبابات، واليوم صار المعيار، كم تملك هذه الدول من الشركات الكبيرة والبنوك العملاقة، وكل ذلك ونحن لم نملك بعد رأس خيار أو راجمة قلقاس أو حتى شركة ناجحة للضحك على الذقون، ففاتنا أن نكون قوة أیام الحرب الباردة، ويفوتنا اليوم أكثر أن نكون عضلة ولو مهترئة في أيام الحروب الاقتصادية.

على هذا المعيار الجديد، أقام ليستر ثورو كتابه «رأس برأس» الذي قرأنا مقتطفات منه، حين لاحظ أن عدد الشركات العملاقة والبنوك الضخمة الأمريكية تراجع لصالح الشركات والبنوك في كل من أوروبا أولاً واليابان ثانياً، فأطلق حكمه، أن القرن المقبل هو قرن أوروبا، حيث تكون لها السيادة والقوة.

وأوروبا وصلت إلى هذا المستوى من دون وحدة بعد، ومؤخراً وافق الدنماركيون على هذه الوحدة، كما وافق البريطانيون بعد خناقات في برلماناتهم عليها، فهؤلاء يمضون إلى وحدتهم ولو اختلفوا حتى على الموز والخيار والآيس كريم، لأن المستقبل هو ما يعملون لأجله، ونحن أيضاً، نوافق على خناقات وحروب عربية عربية، إضافية على تلك التي مرت علينا خلال خمسين عاماً، (وكلها كما نعرف كانت على قضايا مصيرية، ضاعت هذه القضايا وضعنا معها)، شرط أن تكون النهاية وحدة عربية، وتكاملاً اقتصادياً، وسوقاً مشتركة، ولا نطلب في ذلك موافقتنا وأخذ رأينا في استفتاء، فنحن لا نستفتى حتى على قانون سـير أو إشـارات مـرور، فذلك آخـر ما نحلم به

إلا أننا نبقى مع أوروبا والعالم من حولنا، فقد تعبنا من الأحلام أو هي تعبت منا فهاجرت كالطيور، ونقول إن ليستر ثورو فاته عند وضع كتابه، الالتفات إلى دول أخرى، تستبق الزمن، لكي يكون لها مكان في المستقبل، كالصين، التي قرأنا مؤخراً أنها ثالث قوة اقتصادية من حيث النمو، على عكس ما كان متصوراً، وصارت بضائعها وسلعها وملبوساتها وكهربائياتها تغزو الأسواق وتنافس برخصها غيرها من المنتوجات، ما يتوقع لها خبراء أن تكون قطباً بحالها، في موازاة أوروبا أو أمريكا أو اليابان.

وغير الصين، قرأنا عن شركة سامسونج الكورية، التي أصبحت تاسع أكبر شركة عالمية، بصادراتها التي وصلت إلى 4.7 مليارات دولار، ما يجعل لها مكاناً بين الكبار بشركة سامسونج وحدها، مثلها مثل الصين، التي لم تصل إلى هذا المستوى، بصواريخ سيلك وورم، ولا ببندقيات «أم سجبة» التي يلعب بها صغارنا في الحدائق.

ومع ذلك، فإن دولنا وبعض دول العالم الثالث الأخرى، لا تزال مشغولة بشراء غواصات وبمدافع عملاقة وصواريخ، ربما اعتقاداً منها، أن شعوبها ستأكل يوماً هذه الغواصات والمدافع والصواريخ، مع الصلصة والكتش آب والخل والطرشي وبقية المشهيات الشرقية الأصلية.

ولن نسأل أين العرب من كل هذا، طالما أن سياسيينا من كثرة مؤتمراتهم وقضاياهم ومشاركاتهم الخارجية صاروا ينافسون مكوك الفضاء الأمريكي تشالنجر، أما مثقفونا ومفكرونا فمرابطون صامدون في المقاهي حتى التحرير (تحرير العملة طبعاً)، ورجال أعمالنا في الفنادق وحفلات الاستقبال، أما بقية المواطنين العرب، فإما في المطبخ يناضلون بالشوكة والملعقة، وإما في غرف النوم يعزفون سيمفونيات الشخير بعد معارك استنزاف دامية.   

23/5/1993

اقتصاد الكوافيرات

 عبد الحميد أحمد

جيوب أنفية لإحلال السلام