عبد الحميد أحمد

مدرسة النعالزم

بعد الميكانيزم، والسوریالزم والمدبوليزم والفولیزم، وغيرها من المدارس الفنية والفكرية والسياسية والاجتماعية، التي تفرخ في عالمنا العربي أكثر من الطماطم والبطاطا والفجل، طلعت لنا نظرية حديثة اسمها النعالزم. وهذه النظرية من ابتكار واختراع زميلنا السابق عبد الرحمن السيد، الذي يرى أنه لا يجوز لنا أن نتخلف عن الركب العربي الحضاري، فلا نساهم فيه بأي تيار فكري يساعد على نهوض الأمة من كبوتها الراهنة، لكي نتعلق بذیل قطار الحضارة السريع قبل أن يدهسنا.

وأتصور أن أبو عوف يسعى حالياً لتسجيل نظريته وبراءة ملكيتها العلمية لدى المنظمة العالمية للحقوق الفكرية في جنيف، قبل أن يلطشها عنه المثقفون والمفكرون، ويبدأون في تشريحها على موائد المقاهي، وكل يدعي أنه صاحبها والمنظر لها.

غير أن عبد الرحمن لا يدعي أنه صاحب الفضل فيها، ولو أنه من ابتكرها، فهي موجودة في المجتمع، وما كان عليه سوى تهذيبها ووضع قوانينها لكي تصبح نظرية متكاملة (متخرش منها الميه)، حاله في ذلك حال الخليل بن أحمد الذي اكتشف أوزان الشعر وبحوره.

فإذا كان إعلان تجاري يقول لك إنك ستصبح شخصية وجذاباً وفاتناً إذا ارتديت النعال الفلاني، فإن النعال، كما يرى صاحب مدرسة النعالزم، يصبح ببساطة جزءاً من شخصية الإنسان، فتصير البنت تعجب، لا بثقافة الشاب وأخلاقه أو دماغه، بل بنعاله، فتبدأ مغازلته من القدمين، لا من العينين، فنستبدل القول الشهير نظرة فابتسامة.. إلى آخره، بنعال فابتسامة.. إلى آخره، وهكذا يصير النعال موحد القلوب وجامع النفوس وتغني له المطربات: نعالك يا حبيبي يا حبيب قلبي ونصيبي، نعالك أبيض وأسود يا ريته من نصيبي.

والشاعر حسب المدرسة، يصف حبيبته بالنعال اللامعة بدلاً من الشمس الساطعة، وحتى أم العيال ستفخر بأن مشاعر أبي العيال مثل «جبلية البتاني» مقاومة للتغير والحصى وتبدل الأيام، إلا أنها يوم تزعل عليه وتغضب منه ستقول له: قلبك نعال زنوبة، وزمان كنا نقول لمن لا يعجبنا شكله، أن وجهه نعال، غير أن هذه الشتيمة ستتحول عما قريب إلى مدح وإطراء، فمن ذا الذي لا يتمنى أن يكون وجهه نعالاً فاخراً هو عنوان الشخصية والجاذبية، ومغناطيس البنات؟

وتضيف مدرسة النعالزم، على لسان مخترعها، أن كل ذلك سيحدث ما دمنا صرنا نفخر بالنعال الفلاني والنعال العلاني أكثر مما نفخر بعنتر بن شداد أو أبو زيد الهلالي أو سيف بن ذي يزن، ومن يدري، لعله يأتي يوم يصبح فيه بائع الأحذية أو حتى الإسكافي فتى أحلام البنات بنعاله الأبيض بدلاً من الفرس الشهير.

وربما إذا تطور الحال أكثر من ذلك، سيطالب البعض بتدريس مادة جديدة للتلاميذ في المدارس هي مادة لبس النعال على أصوله، ثم ستظهر خلافات فكرية حادة وجدل عنيف حول مدرسة النعالزم هذه، هل هي علم أم فن، وستسارع الشركات لإرسال الخبراء الأجانب بعقود خارجية بالطبع لتعليمنا أصول النعالایزیشن، وتنظيم دورات تدريبية لنا لاستيعاب مبدأ النعالايزر، حتى آخر فلس في جيوبنا.

ولا يستبعد زميلنا صاحب النظرية الحديثة هذه أن يغزو النعال عالم الثقافة عندنا، فترصد جائزة النعال الذهبية من «الطبجة» الأولى للفنون والآداب، وتتحول نظرية ديكارت: أنا أفكر إذن أنا موجود، بأخرى أهم منها: أنا انتعل إذن أنا دماغ.

ونكتفي بما سبق من معالم وإشارات من نظرية النعالزم حتى لا نفشيها قبل تسجيلها، غير أننا نختم بآخر ما وافانا به صاحبها، الذي اكتشف مؤخراً نعلة في السوق بستين ألف درهم، وأخرى بمائة ألف، ما يجعل من احتمال أن نشتري النعال بالأقساط وبتمويل بنكي مريح، حقيقة بعد حين، لا مجرد نكته، ما دمنا نعيش عصر النعالزم الباهر.

26/5/1993

مدرسة  النعالزم

 عبد الحميد أحمد

جيوب أنفية لإحلال السلام