عبد الحميد أحمد

الخبز ضد المواطن والحكومة مع البنك الدولي

القاعدة و(الماشية أيضاً) في السياسة العربية منذ خمسين سنة حتى الآن، هي الخلاف والاختلاف، أما

الشذوذ والاستثناء (وهو الجالس والمقيم) فهو الاتفاق، الذي لا يكون عادة إلا مثل نسمة الصيف العابرة.

وهذه القاعدة لا تشمل الحكومات وحدها ولا الأنظمة، فهذه لا تتفق إلا على مواطنيها، حتى صارت اجتماعات وزراء الداخلية وحدها الناجحة، ما بين كل الاجتماعات والمؤتمرات العربية، بل تمتد إلى المنظمات والحركات، من اليمين إلى اليسار وحتى الوسط، ما يجعل من الخلاف جرثومة عربية، لم ننجح بعد للأسف في تصديرها إلى إسرائيل، وإلا لما كان لهذه وجود الآن.

فزمان، كانت الحرب ضد المستعمر، وكانت قضيتنا واضحة، فلما انتهينا من الاستعمار، كنا تعودنا الحرب، أدمناها، وهكذا اشتغلت الأنظمة ببعضها، فاليمين في حرب مع اليسار، واليسار في حرب مع اليمين، والوسط في حرب مع الجميع، والقوميون ضد الشيوعيين، والشيوعيون ضد القوميين والإخوان المسلمين، وهؤلاء ضد الجميع مع أنفسهم، والتجار مع السلطة، والسلطة مع أمريكا أو مع روسيا، والعمال والفلاحون مع المثقفين، والمثقفون مع سارتر وریجیس دوبریه، والماما مع العيال ضد البابا، والبابا مع العيال ضد الماما، والعيال مع توم أند جيري ضد جدتهم، وجدتهم مع ابنتها ضد صهرها، وهذه مع ابنتها، وابنتها مع اللحام والجزار والخضرجي والمكوجي ضد البابا، ونحمد الله بعد ذلك، أنه لم تقم حرب عالمية في وطننا العربي، فأوقفنا الخسارة عند ضياع فلسطين والسيادة ولقمة العيش.

وقالت المنظمات الثورية ومنظروها ومثقفوها، إن هذا تراث داحس والغبراء يصحو فينا، فاستبشرنا خيراً في أن الحل آت لا ريب فيه على أيدي هذه المنظمات، فلما كبرت حلت منها بطوننا ولا تزال في حالة حل دائم.

وفرخت كل منظمة كتاكيت صغيرة بمناقير حديد، فصارت تضرب بعضها وتدميها، وتضرب ذات اليمين والشمال وما ملكت أيمانهم، فالمجاهدون ضد الأنظمة، والشعباوي ضد الديمقراطي، والديمقراطي ضد الفتحاوي والفتحاوي ضد حماس، وحماس ضد الجميع، والجهاد الإسلامي مع العراق، والتحرير الإسلامي مع إیران، والتكفير والهجرة مع أنفسهم ضد أنفسهم، والإخوان مع السودان ظالماً أو مظلوماً، والإنقاذ مع الجميع ضد الجميع، والمعتدلون والتقدميون معاً مع الحل السلمي، واليمينيون الإسلاميون مع الجهاد والتحرير، والبنت المحجبة ضد أمها السافرة، وأمها ضد عمتها البرجوازية، والعمة مع كريستيان ديور والحال تاجر الشنطة والمواطن مع رغيف الخبز، ورغيف الخبز مع الحكومة ضد المواطن، والحكومة مع البنك الدولي، وهذا فوق الجميع، وتحيا الوحدة العربية التي انتصرنا بها على إسرائيل، وتعيش الوحدة الاجتماعية التي هزمنا بها الفقر والتخلف والأمية.

وهكذا، لم تتبق قضية لها معنى أو من دون معنى، إلا اختلفنا عليها حكومات وشعوباً، حتى لم يبق عندنا سوى الشهداء نختلف عليهم، هل هذا شهيد فتحاوي أو من حماس، هل تقيم فتح العزاء له أم تفعل ذلك حماس، فيما لو سئل الشهيد نفسه عن رأيه لقال لهم غاضباً: حلوا عني، فأنا متأسف لأنني استشهدت من أجل القضية.

وزمان، ما كان مؤتمر عربي أو ندوة أو محاضرة، رسمية أو غير رسمية، يمكن أن تبدأ وحتى باعة الخضرة لم يكونوا يبدأوا نهار عملهم دون الوقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء الأمة، من تطوان إلى رأس الخيمة ومن أفغانستان إلى طاجيكستان، ومن عدن إلى هونولولو، أما اليوم، فإن السير كله يتوقف وتصطدم السيارات ببعضها، ويقفز المارة إلى الأرصفة صفوفاً صفوفاً، لأن سيارة الراقصة نعيمة دلعني تعبر الطريق.

… ولو سألتموني عن موقفي من هذا النضال، أقول لكم: أنا مع الدالاي لاما.  27/5/1993

الخبز ضد المواطن والحكومة مع البنك الدولي

  عبد الحميد أحمد

جيوب أنفية لإحلال السلام