من بين مئات الأخبار الوافدة من العالم، خاصة من أوروبا وبقية العالم الأول، لا تأتي سوى أخبار قليلة من أفريقيا، وإذا أتت فهي من نوع القارة ولونها.
وربما أن كم الأخبار يدل على حيوية الأمم ونشاطها، وعكس ذلك، يدل على كسلها ونومها، إضافة بالطبع إلى نوعية هذه الأخبار، ما بين السياسي منها، خاصة المتعلق بالانتخابات والبرلمانات والأحزاب، وما بين الاقتصادي والثقافي والعلمي، وحتى الطريف، ما يجعل من أفريقيا، على اتساعها كقارة وبشر وغابات وإمكانيات، بناءً على هذا المقياس الخبري لا وجود لها سوى على أطلس العالم في كتب التلاميذ بالمدارس.
فعدا عن أخبار الانقلابات بين حين وآخر، وصراع العسكر فيها، لا نكاد نعثر على أفريقيا في نشرات الأخبار ولا على صفحات الجرائد، ولو كانت الإذاعات وشبكات التلفزة في الصحف تعتمد على هذه القارة في شغلها، لأغلقت أبوابها من زمان وسرحت موظفيها، وصارت مثل أفريقيا تتثاءب في الليل وتكش الذباب عن وجهها في النهار.
حتى أخبار الانقلابات، صارت فيها من النوع الذي يزداد طرافة عاماً بعد آخر، إذ لم يعد صعود رقيب أول أو ملازم ثان ظهر دبابة واحتلاله مبنى الإذاعة والقصر الرئاسي المتواضع، هو الخبر الجديد، بل انقلاب هؤلاء، من جنود وضباط، على القصر والإذاعة، لقبض رواتبهم المتأخرة لشهور، هو الخبر.
فقد صار هؤلاء العسكريون زاهدين حتى عن حكم بلدان أفريقيا، لأنهم يعرفون سلفاً أنهم لن يحكموا سوى خرائب ودول مفلسة، وخزائن وبطون خاوية لا تستحق فيها السلطة مخاطرة ركوب الدبابات، ولا مغامرة احتلال القصر، بقدر ما يستحق حصولهم على رواتبهم أولاً، مثل تلك المخاطر.
على ذلك، قرأنا عن أحداث زائير قبل أشهر معدودة، حين ثار عسکریوها وحطموا واجهات المحلات والمتاجر، لأن أصحابها رفضوا استلام الأوراق النقدية الجديدة التي سکها موبوتو سيسي سيكو، لكي يستطيع دفع رواتبهم المتأخرة ويقضي على تذمرهم، ففي حين لم يعترف التجار بهذه العملة لأنها بلا قيمة فعلية (ما يذكرنا بالدينار العراقي حالياً)، فإن العسكريين أيضاً لم تنفتح شهيتهم للحكم لأول مرة، بل لرواتبهم، فهي أهم في بلد مثل زائير.
وعلى الطريق نفسه ثار حراس الرئاسة في أفريقيا الوسطى مرتين في أقل من شهر، واحتلوا الإذاعة والقصر الجمهوري مطالبين، لا بإزاحة الرئيس كولينغبا الذي يحكم البلد منذ 12 عاماً بعد انقلاب عسكري ولا بالحكم، وإنما بأجورهم المتأخرة منذ حوالي 4 شهور، فهي أهم عندهم من القصر الجمهوري ومن فيه.
وزهد العسكريين في الحكم، هو أمر طيب ولاشك، غير أنه مخيف في الوقت نفسه، فدول مثل الدول الأفريقية، لا توجد فيها نسمة حرية أو ديمقراطية، ستظل محكومة بديكتاتورييها الحاليين لسنوات قادمة طويلة، ولو انطبق مثل هذا الكلام، على دولة مثل العراق، فمعنى ذلك، أن حراس الرئيس فيها والحرس الجمهوري والجيش ورجال المخابرات، قد يثورون ويتمردون ويحتلون قصر صدام نفسه، لكن ليس من أجل إزاحته، بل من أجل نقودهم ورواتبهم، ما يعني استمرار هذا في الحكم طويلاً وتحول العراق بهذه المواصفات إلى دولة أفريقية مثل زائير أو أفريقيا الوسطى أو سوازيلاند .
إلا أننا نبقى مع أفريقيا، التي تحولت بمناجمها وغاباتها وثرواتها الطبيعية وأنهارها، إلى دول فقر ومجاعة، لا تفتح الشهية حتى لعسكرييها الذين كانوا بين انقلاب وآخر، ينظمون انقلاباً ثالثاً، في ليلة واحدة، حتى قيل فيها إن من يستيقظ مبكراً يقود انقلاباً.. فنختتم بخبر عن مدرس إنجليزي ذهب إلى إحدى بلدانها مع فريق من طلبته لتقديم المساعدات لبعض قراها، لما انتهى من مهمته وقرر العودة، فوجئ بزعيم قبيلة يقدم له امرأتين هدية له، وعرفاناً بجميله، إذ لا يوجد عنده شيء آخر يقدمه.
غير أن الإنجليزي حسبها بالآلة الحاسبة، فوجد أن المرأتين شبه العاريتين ستكلفانه کسوة ولباساً بأكثر مما تتحمل ميزانيته، ففضل تركهما خلفه ولاذ بجلده فاراً. 29/5/1993
أخبار أفريقيا مثلها