عبد الحميد أحمد

عبدالحميد أحمد . . حياة مكرّسة للكتابة

ما أن أنهى مدرس مادة اللغة العربية قراءة المقال بين يديه، حتى رفع رأسه وعيناه تلمع دهشة وإعجاباً بما قرأ، وفي الوقت نفسه يتساءل في خاطره، هل هذه كتابة طالب في هذه الصفوف الأولى من الدراسة؟
بصوت وملامح تظهر فيها علامة الرضى قال: أين عبدالحميد أحمد؟ كان عبد الحميد يجلس بين زملائه، وعلى ملامحه تبدو ملامح الخوف والفرح والارتباك، لكن ما أن توقف أمام المدرس ووضع المدرس يده على كتفه بحنو، حتى تبددت مشاعر الخوف والارتباك، وما أن سمع كلام المدرس عن مقاله حتى استقرت ملامح الفرح على وجهه وانتابه زهو غريب أشعل فيه حماسة ظلت إلى اليوم تقود قلمه في عالم الكتابة.

أشاد المدرس بما كتبه عبد الحميد، ودفع به لمواصلة الكتابة والاشتغال أكثر على ما يملكه من موهبة، حينها أدرك ما يمتاز به عن أقرانه، فأخذه الفرح وباتت الكتابة هاجسه، حتى أقدم على بعث مقالاته لواحدة من المجلات الثقافية التي كانت تصدر في حينها -أواخر الستينات من القرن الماضي .

لم تلقَ مقالاته تلك حالة الاحتفاء والترحيب الذي لقيه مقاله الأول عند مدرس اللغة العربية، فأدرك حينها أدرك أولى خطواته قد فشل فيها، إلا انه ظل مؤمناً أنه يملك من الموهبة ما يدفعه لمواصلة الكتابة، والمحاولة مرات عديدة، وهذا ما كان، إذ اتجه إلى القصة القصيرة وانكب يشحذ أدواته فيها حتى خرجت أولى قصصه إلى النور في أوائل السبعينات، على صفحات أخبار دبي والأهلي .

من تلك المشهديات ولد القاصّ والصحافي عبدالحميد أحمد، وبعد طفولة شهدتها أزقة وشوارع جميرا في دبي، وراح يشق من حينها طريقه في الحياة، ويتنقل من عمل إلى آخر حتى يصبح رئيس تحرير صحيفة غلف نيوز، أول صحيفة يومية مستقلة صادرة باللغة الإنجليزية في الإمارات العربية المتحدة .

عمل عبدالحميد أحمد في شرطة دبي لفترة قصيرة ثم انتقل إلى عالم الكتابة اليومية، فدخل الصحافة عام 1979 كمحرر صحفي، وظل إلى أن أصبح مديراً للتحرير في مجلة الأزمنة العربية التي كانت تصدر في الشارقة .

عاد بعد تجربة الإدارة إلى التحرير اليومي، فانتقل إلى العمل في جريدة الاتحاد، ثم في القسم الاقتصادي، ورغم انغماسه في أخبار المال والأعمال، والأسهم، والشركات، كانت شخصية الأديب تشده إليها، فأسهم في تأسيس الملحق الثقافي في الجريدة، وشارك في وضع الإطار العام لصيغته .

تحوّل بعد ذلك من الاتحاد إلى جريدة البيان، وأصبح كاتباً لزاوية ساخرة يطل فيها كل يوم على قرائه، فنال على إثرها شهرة واسعة، وبات قلمه مقروءاً ومعروفاً بوصفه أحد أمهر الأقلام الساخرة في الدولة، لكن وكما لكل شيء ضريبة دفع عبدالحميد ضريبة الانغماس في العمل الصحفي اليومي بأن انعكس ذلك في قلة نتاجه الأدبي فلم يصدر في مسيرته التي تمتد لثلاثة عقود سوى ثلاث مجموعات قصصية هي: السباحة في عيني خليج يتوحش عن دار الكلمة في بيروت عام،1982 والبيدار كذلك عن دار الكلمة في بيروت عام ،1987 وعلى حافة النهار صدرت عن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات عام 1992 .

رغم ذلك تنبه الكثير من النقاد لتجربته القصصية منذ بداياتها أوائل الثمانيات، وبات أسمه واحداً من الأسماء البارزة في المشهد الثقافي الإماراتي، ولا يغيب عن قائمة رواد وصانعي الحركة القصصية في الإمارات، فلم يكتب عبدالحميد القصة كما لو أنه يعيد إنتاج المنتج، بل صنع مساحة متفردة تبدت فيها ملامح قلمه الخاص، وتجلت في قدرته على طرق أبواب الواقع وقضاياه بلغة وتكنيكات قصصية ماهرة

عن عبدالحميد أحمد قال الناقد د . صالح هويدي: إن رؤية عبدالحميد أحمد منحازة للاتجاه الواقعي، ولفئة المهمشين والمسحوقين، فقد ركز في أعماله كثيراً على الفقر والألم والانسحاق والموت، وفي ما يتصل بالأسلوب، فقصصه عموماً تندرج تحت إطار الأسلوب الواقعي بتنويعاته المختلفة، إلى جانب الأسلوب الغرائبي الفانتازي .

وكتب عنه الناقد عبدالله أبو هيف: تنتمي غالبية قصص عبدالحميد أحمد إلى مأثور فكرة القصة في أزهى صيغها الحديثة، ومفادها أن القصة القصيرة تعبير حكائي أو سردي شديد التكثيف عن مشكلات جماعة مغمورة، ومن الميسور أن نجد توصيفاً لمثل هذه الجماعة لكل كاتب قصة جيد، فهم الأطباء والموظفون عند تشيخوف، وهم الكادحون من ساكني أطراف المدن أو قاع المدينة عند يوسف إدريس، وهم أبناء الطبقة المتوسطة الذين تحطمهم التغيرات الاجتماعية عند نجيب محفوظ، وهم العمال المقموعون المهددة أصالتهم أو المهدد أمنهم عند زكريا تامر . . وغير ذلك .

لم تخلُ مسيرة عبدالحميد أحمد من العديد من الجوائز والشهادات والمشاركات التي كان أبرزها جائزة الصحافة العربية لعام ،2010 ولم تقتصر مؤلفاته على القصة، بل صدرت له دراسة بعنوان توصيفات القصة القصيرة والرواية في الإمارات عن الملتقى الأول للكتابات القصصية والروائية في الإمارات في الشارقة عام،1985 وخربشات في حدود الممكن (مقالات) عام،1997 والنظام العالمي الضاحك (مقالات ) عام 1998 .

  عبد الحميد أحمد . . ح
بورتريه / محلق الخليج الثقافي 22 يوليو 2013 مكرّسة للكتابة