عبد الحميد أحمد

حفلات خس في صالات الفنادق

على مدى أيام، قبل العيد، حاولت وأنا أطالع كغيري الإعلانات عن الحفلات الفنية، أن أفهم العلاقة ما بين

البوتيك، أو صالون الحلاقة، أو المطعم، أو السوبر ماركت، وغيرها من المحلات التجارية، وبين الفن

والفنانين، فلم أفهم. فكل الحفلات يتعهد بتنظيمها مثل هذه المحلات، وربما نجد غداً صاحب دكة في سوق السمك والخضرة ينظم حفلة، أو صاحب كراج ميكانيكا وسمكرة، أو نجار أو مصلح مواسير مجاري يدخل إلى الكار أيضاً، فالفوضى في أسواقنا وصلت إلى الفن وحفلاته، رغم ما نقرأه من حين لآخر، عن تعليمات وقرارات من البلديات، أو إرشادات وتوجيهات من الوزارة الفلانية، أو أوامر وطلبات من اختها الوزارة العلانية.

غير أن الأطرف هو ما قرأناه في أحد هذه الإعلانات، عن مدرسة تنظم هي الأخرى حفلة فنية بمناسبة العيد، ولم نعرف ما إذا كانت هذه مدرسة لتعليم قيادة السيارات، أو تدريس فن الرقص الشرقي، أو تعليم الكاراتيه، أو تعليم النساء فن تقليم الأظافر وتصفيف الشعر، أو أنها مدرسة لتعليم التلاميذ وتربيتهم، لنقل لها وعنها: أنعم بها من تربية وأكرم به من تعليم.

وصار تسويق الفنانين وترويجهم، عبر هذه الحفلات التي عادة ما تقام في الفنادق، ولو كانوا من فناني الهشك بشك، تجارة وسمسرة ودلالة، حتى أن فنادق لا تزيد غرفها على الخمسين غرفة، وهي من فنادق الدرجة الترسو، صار لها في المولد ماعون وحمص، وهي تعلن عن حفلات ليلية للرقاصة ذات الخصر اللولبي، أو لفرقة القرود الذهبية، أو لمطرب الجيل «الأسود» والبحار والأقمار ومكوك الفضاء الأمريكي والروسي معاً.

وما دامت مدننا تتحول إلى عواصم فنية بهذا الشكل، فإنه لا يطلع مطرب أو رقاصة جديدة في أي بلد عربي، حتى لو كان من خريجي الملاهي والكباريهات، إلا ويحلم بشد الرحيل إلينا، ليتحفنا بمواهبه الفظة لا الفذة، ويأخذ المعلوم، ويفتح له التلفزيون استوديوهاته لمقابلته وتسجيل أغنياته، فيحصل على دعاية بالمجان، ونتكبد نحن المشاهدين عناء ومشقة مشاهدته وسماع صوته وكلمات أغنيته عن البطيخ والمشمش وكوز المحبة المخروم، والأناناس، والحبيب الماشي على كوبري عباس.

ونعود إلى السماسرة والمتعهدين من تجار شنطة الفن، فالواحد من هؤلاء وصل به الحال إلى مجرد ذكر رقم بليبه على الإعلان في حال أراد أحدنا الاستفسار عن حفلته، والاتفاق مع الفنانين عبر الفاكس، وما إلى ذلك من استسهال في أمر إقامة مثل هذه الحفلات، حتى شرب مقالب بعضها دافعو التذاكر، والباحثون عن سهرة وترفيه أكثر من مرة، آخرها، المقلب الذي طبت فيه الفنانة سميرة سعيد وزوجها الفنان هاني مهنا وفرقته، ومن ورائهما دافعو التذاكر، حين اختفى المتعهد کفص ملح وذاب، وهو ما قرأناه أمس.

وفي العام الماضي، ألغيت حفلة لحسن الأسمر، وهرب متعهدها، الذي كان يعلن يومياً عن الحفلة، فيما الفنان نفسه لا يعلم بها، ومن ذلك، ما عرفناه أيضاً عن حوادث مؤسفة وقعت في حفلات عيد الفطر الماضي، وكل ذلك يعني امتهان الفن، وامتهان أذواق الناس، ما يتطلب تدخلاً جدياً من وزارة الإعلام للإشراف على مثل هذه الحفلات والتأكد من متعهديها ومن مستوى الفنانين أيضاً، وعدم السماح بتحويلها إلى تجارة بصل وطماطم وبقدونس، وخرفان.

غير أن الوزارة، فيما أتصور، ستدعي أن البلديات تنافسها هذا الاختصاص، فتصدر التراخيص لمثل هذه الحفلات، ما جعل منها فعلاً سلطات خس وملفوف وطماطم ضلت طريقها عن سوق الخضرة إلى صالات الفنادق، فهل من قليل استقال إبراهيم جمعة من الفن والفنانين؟

5/6/1993

جيوب أنفية لإحلال السلام،
حفلات خس في صالات الفنادق